للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصَفها أبدًا دائمًا، وقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾. يَعْنى: عِدَةٌ مِن الله لهم بذلك في الدنيا "حقًّا". يَعْنى: يقينًا صادقًا، لا كعِدَةِ الشيطان الكاذبة التي هي غرورُ مَن وُعِدها من أوليائِه، ولكنها عِدةٌ ممن لا يَكْذِبُ ولا يَكُونُ منه الكذبُ ولا يُخْلِفُ وعدَه.

وإنما وصَف جلَّ ثناؤُه وعدَه بالصدقِ والحقِّ في هذه، لما سبَق من خبرِه جلَّ ثناؤُه عن قولِ الشيطانِ الذي قصَّه في قولِه: ﴿وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ﴾ ثم قال جلَّ ثناؤُه: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾. ولكنَّ الله يَعِدُ الذين آمَنوا وعمِلوا الصالحاتِ أنه سيُدْخِلُهم جناتٍ تجرى من تحتِها الأنهارُ خالدين فيها أبدًا، ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾. لا كوعدِ الشيطان الذي وصف صفتَه، فوصَف تعالى ذِكْرُه صفةَ الوَعْدَين والواعِدَيْن (١)، وأخبرَ بحكمِ أهلِ كلِّ وعد منهما؛ تَنْبيهًا منه جلَّ ثناؤُه خلقَه على ما فيه مصلحتُهم، وخَلاصُهم من الهلكة والعَطَبِ؛ ليَنْزَجروا عن معصيته ويَعْمَلُوا (٢) بطاعته، فيَفوزوا بما أعدَّ لهم في جناته من ثوابِه.

ثم قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾. يَقُولُ: ومَن أصدقُ أَيُّها الناسُ مِن اللهِ قِيلًا: أي لا أحدَ أصدقُ منه قيلًا، فكيف تَتْرْكون العملَ بما وعَدكم على العمل به ربُّكم جناتٍ تجرى من تحتها الأنهارُ خالدِين فيها أبدًا، وتكْفُرون به، وتُخالِفون أمرَه، وأنتم تَعْلَمُون أنه لا أحدَ أصدقُ منه قيلًا، وتَعْمَلُونَ (٣) بما يَأْمُرُكم به


(١) في الأصل: "الوعيدين".
(٢) في م: "يعلموا".
(٣) في الأصل: "تعلمون".