للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائلٌ: وما وَجْهُ دعاءِ هؤلاء إلى الإيمانِ باللهِ ورسولِه وكتبِه، وقد سَمَّاهم مؤمنين؟

قيل: إنه جلّ ثناؤه لم يُسَمِّهم مؤمنين، وإنما وَصَفهم بأنهم آمَنوا، وذلك وَصْفٌ لهم بخصوصٍ مِن التصديقِ، وذلك أنهم كانوا صِنْفَين؛ صِنْفٌ (١) أهلُ توراةٍ مُصَدِّقِين بها وبمَن جاء بها، وهم مُكَذِّبون بالإنجيلِ والفُرقانِ وعيسى ومحمدٍ، صلواتُ اللهِ عليهما. وصِنْفٌ أهلُ إنجيلٍ، وهم مُصَدِّقون به وبالتَّوراةِ وسائرِ الكتبِ، مُكَذِّبون بمحمدٍ والفُرْقانِ، فقال اللهُ لهم: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعني: بما هم به مؤمنون مِن الكُتُبِ والرسلِ ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ محمدٍ والكتاب الذي نَزَّلَ عليه، فإنكم قد علمتم أن محمدًا رسولُ اللهِ؛ تجدون صفته في كتبكم، وبالكتابِ الَّذِى نَزَّلَ مِن قَبْلِه الذي تَزْعُمون أنكم به مؤمنون، فإنكم لن تكونوا به مؤمنين وأنتم بمحمدٍ مُكَذِّبون؛ لأن كتابَكم يأمركم بالتَّصْديقِ به، وبما جاءكم به، فآمِنوا بكتابكم في اتِّباعِكم محمدًا، وإلا فأنتم به كافِرون.

فهذا وَجْهُ أمرِهم بالإيمانِ بما أمَرَهم بالإيمانِ به، بعدَ أن وَصَفهم بما وَصَفهم بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾.

وأما قولُه: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. فإن معناه: ومَن يَكْفُرْ محمدٍ ، فيَجْحَد نُبوَّتَه، [﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾، وإنما قال تعالى ذكرُه: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، ومعناه: ومن يَكْفُرْ بمحمدٍ وبما جاء به مِن عندِ اللهِ] (٢)؛ لأن جُحودَ


(١) سقط من: م.
(٢) في م: "فهو يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر".