للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما اخْتَرنا هذا القولَ على غيرِه؛ لأنه قد ذُكِر أن ذلك فى قراءةِ أُبىِّ بنِ كعبٍ: (والمقيمين) (١). وكذلك هو في مصحفِه [فيما ذكَروا] (٢)، فلو كان ذلك خطأً من الكاتبِ لكان الواجبُ أن يكونَ فى كل المصاحفِ غيرِ مصحفِنا الذى كتبَه لنا الكاتبُ الذى أَخْطَأ في كتابتِه (٣)، بخلافِ ما هو في مصحفِنا، وفي اتفاقِ مصحفِنا ومصحفِ أُبىٍّ فى ذلك، ما يدلُّ على أن الذى في مصحفِنا من ذلك صوابٌ غيرُ خطأٌ. مع أن ذلك لو كان خطأً مَن جهةِ الخطِّ، لم يكنِ الذين أُخِذ عنهم القرآنُ من أصحابِ رسولِ اللهِ يعلِّمون مَن علَّموا ذلك من المسلمين على وجهِ اللحنِ، ولأصلَحُوه بألسنَتِهم، ولقَّنوه الأُمَّةَ تعليمًا على وجهِ الصوابِ. وفى نقلِ المسلمين جميعًا ذلك قراءةً على ما هو به في الخطِّ مرسومًا، أدلُّ الدليلِ على صحةِ ذلك وصوابِه، وأن لا صُنْعَ في ذلك للكاتبِ.

وأما مَن وجَّه ذلك إلى النصبِ على وجهِ المدحِ للراسخين في العلمِ، وإن كان ذلك قد يَحْتَمِلُ على بُعْدٍ من كلامِ العربِ؛ لما قد ذكرْتُ قبلُ من العلةِ، وهو أن العربَ لا تعدِلُ عن إعرابِ الاسمِ المنعوتِ بنعتٍ فى نعتِه إلا بعدَ تمامِ خبرِه، وكلامُ اللهِ أفصحُ الكلامِ، فغيرُ جائزٍ توجيهُه إلا (٤) إلى الذي هو به من الفصاحةِ.

وأما توجيهُ مَن وجَّه ذلك إلى العطفِ به على (٥) الهاءِ والميم في قولِه: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾. أو إلى العطفِ على الكافِ من قولِه: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾. أو إلى الكافِ من قولِه: ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾. فإنه أبعدُ من الفصاحةِ


(١) ينظر معاني القرآن ١/ ١٠٦.
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) في ص، م، ت، ت ٢، ت ٣، س: "كتابه".
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) في الأصل: "إلى".