للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن التقلُّد أو (١) اتخاذِ القلائدِ من شيءٍ - أن يكونَ معناه: ولا تُحِلُّوا القلائدَ. فإذ كان ذلك بتأويِله أولى، فمعلومٌ أنه نهىٌ من اللهِ جلَّ ذكُره عن استحلالِ حُرمةِ المقلَّدِ، هديًا كان ذلك أو إنسانًا، دونَ حرمةِ القِلادةِ، وأن الله تعالى ذكرُه إنما دلَّ بتحريمِه حرمةَ القِلادةِ (٢) على ما ذكَرنا من حرمةِ المقلَّدِ، فاجتَزأ بذكرِه القلائدَ من ذكرِ المقلَّدِ؛ إذ كان مفهومًا عندَ المخاطَبين بذلك (٣) معنى ما أُرِيد به.

فمعنى الآيةِ إذ كان الأمرُ على ما وصَفنا: يا أيها الذين آمنوا لا تُحِلُّوا شعائرَ اللهِ ولا الشهرَ الحرامَ ولا الهَدْىَ، ولا المقلِّدَ نفسَه (٤) بقلائدِ الحرَمِ.

وقد ذكَر بعضُ الشعراءِ في شِعرِه ما ذكَرنا عمن تأول القلائدَ أنها قلائدُ لِحاءِ شجرِ الحرَمِ الذي كان أهلُ الجاهليةِ يتقلَّدونه، فقال وهو يعيبُ رجلين قتَلا رجلين كانا تقلَّدا ذلك (٥):

أَلَمْ تَقْتُلا (٦) الحِرْجَينِ (٧) إِذ أَعْوَرَاكُمَا (٨) … يُمرَّانِ بالأيدى (٩) اللِّحاءَ المُضَفَّرَا

والحِرْجانِ: المقتولان كذلك. ومعنى قولِه: أعوراكما: أَمكَناكما من عورتِهما.


(١) في الأصل: "و".
(٢) في الأصل: "القلائد".
(٣) في الأصل: "فذلك".
(٤) في م: "بقسميه".
(٥) القائل هو حذيفة بن أنس الهذلى، والبيت في ديوان الهذليين ٣/ ١٩.
(٦) في الديوان: "تقتلوا".
(٧) الحِرجان: رجلان أبيضان كالودعة، فإما أن يكون البياض لونهما، وإما أن يكون كنَى بذلك عن شرفهما، وكان هذان الرجلان قد قشرا لحاء شجر الكعبة ليتخفرا بذلك. اللسان (ح ر ج)، وينظر شرح أشعار الهذليين ٢/ ٥٥٥.
(٨) في الأصل: "أعوزاكما"، وفى الديوان: "أعورا لكم".
(٩) في الديوان: "في الأيدى".