للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذ كان ذلك كذلك، فالذى هو أحسنُ في الإبانةِ عن معنى الحَرْفِ ما قاله ابن عباس وقتادةُ، وذلك توجيهُهما معنى قولِه: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ﴾. إلى (١): ولا يحمِلَنَّكم شنآنُ قومٍ على العُدْوانِ.

واخْتَلفت القرأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأته عامَّةُ قرأةِ الأمصارِ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ بفتحِ الياءِ، من: جرَمْتُه أَجْرِمُه.

وقرأ ذلك بعضُ قرأَةِ الكوفيين، وهو يحيى بنُ وثَّابٍ والأعمشُ (٢)، ما حدثنا ابن حُميدٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا جريرٌ، عن الأعمشِ أنه قرَأ: (ولا يُجْرِمَنَّكم). مرتفعةَ الياء، من: أَجْرَمتُه أُجْرِمُه، وهو يُجْرِمُنى.

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصوابِ من القراءتين قراءةُ من قرَأ ذلك: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ بفتحِ الياءِ؛ لاستفاضةِ القراءةِ بذلك في قرأَةِ الأمصارِ (٣)، وشذوذِ ما خالَفه (٤)، وأنها اللغةُ المعروفةُ السائرةُ في العربِ، وإن كان مسموعًا من بعضِها (٥): أَجْرَمَ يُجْرِمُ. على شذوذِه، وقراءةُ القرآنِ بأفصحِ اللغاتِ أَوْلَى وأحقُّ منها بغيرِ ذلك. ومن لغةِ من قال: جَرَمْتُ. قولُ الشاعرِ (٦):

يا أيها المُشْتَكِى عُكُلًا (٧) وما جَرمَتْ … إلى القبائلِ مِن قتلٍ وإِبْآسُ (٨)


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) معاني القرآن للفراء ١/ ٢٩٩ وهى قراءة شاذة، لم يقرأ بها أحد من العشرة.
(٣) في الأصل: "الإسلام".
(٤) في م: "خالفها".
(٥) في الأصل: "بعضهم".
(٦) البيت في مجالس ثعلب ص ٤٩، ٥٠ للفرزدق، وفى الأضداد لابن الأنبارى ص ١٠١ غير منسوب.
(٧) عُكْل: قبيلة من الرباب تُستَحمق. معجم البلدان ٣/ ٧٠٣.
(٨) قوله: "إبآس". جاء مرفوعًا لضرورة القافية، كما صرح به قائله حين سئل في ذلك فقال: فكيف أصنع وقد قلت: حتى يسلم الناس. مجالس ثعلب ص ٥٠.