للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قراءةِ ابن مسعودٍ: (إن يَصُدُّوكم) (١). فقرَءوا ذلك كذلك اعتبارًا بقراءتهِ] (٢).

والصوابُ من القولِ في ذلك عندِى أنهما قراءتان معروفتان مشهورتان في قرأَةِ الأمصارِ، صحيحٌ معنى كلِّ واحدَةٍ منهما، وذلك أن النبيَّ صُدَّ عن البيتِ هو وأصحابُه يومَ (٣) الحُديبيةِ، وأُنْزِلت عليه سورةُ "المائدةِ" بعدَ ذلك، فمن قرَأ: ﴿أَنْ صَدُّوكُمْ﴾ بفتحِ [الألفِ من] (٤) ﴿أَنْ﴾. فمعناه (٥): لا يَحْمِلَنَّكم بغضُ قومٍ أيُّها الناسُ من أجلِ أن صدوُّكم يومَ الحديبيةِ عن المسجدِ الحرامِ أن تعتدوا عليهم. ومن قرأ: (إنْ صَدُّوكُمْ) بكسرِ الألفِ، فمعناه: لا يجرِمَنَّكم شنآنُ قومٍ إن صدُّوكم عن المسجد الحرامِ إذا أردتم دخولَه. لأن الذين حارَبوا رسولَ اللهِ وأصحابَه من قريشٍ يومَ فتحِ مكةَ قد حاولوا صدَّهم عن المسجدِ الحرامِ، فتقدَّم اللهُ إلى المؤمنين في قولِ من قرأ ذلك بكسرِ "إنْ" بالنهيِ عن الاعتداءِ عليهم إن هم صدُّوهم عن المسجدِ الحرامِ قبلَ أن يكونَ ذلك من الصادِّين. غيرَ أن الأمرَ وإن كان كما وصَفْتُ، فإن قراءةَ ذلك بفتحِ الألفِ أبينُ معنًى؛ لأن هذه السورةَ لا تَدَافُعَ بينَ أهلِ العلمِ في أنها نزَلت بعد يومِ الحُدَيْبِيةِ. وإذ كان ذلك كذلك، فالصَّدُّ قد كان تقَدَّم مِن المشركينِ، فنهَى اللهُ المؤمنين عن الاعْتِداءِ على الصادِّين. من أجلِ صدِّهم إيَّاهم عن المسجدِ الحرامِ.

وأما قولُه: ﴿أَنْ تَعْتَدُوا﴾ فإنه يعنى: أن تُجاوِزوا الحدَّ الذي حدَّه اللهُ لكم في أمرِهم.


(١). قراءة ابن مسعود ذكرها الفراء في المعانى ١/ ٣٠٠ وهي شاذة.
(٢) مكانه في الأصل بياض بقدر كلمة.
(٣) في الأصل: "عام".
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) في الأصل: "بمعنى".