وقد قال بعضُهم: الميتةُ هو كلُّ ما فارَقَتْه الحياةُ مِن دَوابِّ البَرِّ وطيرِه بغيرِ تَذْكِيةٍ مما أحَلَّ اللهُ أكلَه.
وقد بيَّنَّا العلةَ المُوجِبةَ صحةَ القولِ بما قلنا في ذلك في كتابِنا "كتابِ لطيفِ القولِ في الأحكامِ".
وأما الدَّمُ، فإنه الدمُ المسفوحٌ دونَ ما كان منه غيرَ مسفوحٍ؛ لأن الله جلَّ ثناؤُه قال: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٥]. فأمَّا ما كان قد صار في معنى اللحمِ؛ كالكِبدِ والطِّحالِ وما كان في اللحمِ غيرَ مُنْسَفِحٍ، فإن ذلك غيرُ حَرامٍ؛ لإِجماعِ الجميعِ على ذلك.
وأما قولُه: ﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾. فإنه يعنى: وحُرِّم عليكم لحمُ الخنزيرِ؛ أهليُّه وبَرِّيُّه.
فالميتةُ والدَّمُ مَخْرَجُهما في الظاهرِ مَخْرَجُ عمومٍ، والمرادُ منهما الخصوصُ، وأما لحمُ الخنزيرِ، فإنَّ ظاهرَه كباطنِه، وباطنَه كظاهرِه، حَرامٌ جميعُه لم يُخْصَصْ منه شيءٌ.
وأما قولُه: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾. فإنه يعنى: وما ذُكِر عليه غيرُ اسمِ اللهِ. وأصلُه من استهلالِ الصبيِّ، وذلك إذا صاح حينَ يَسْقُطُ مِن بطنِ أُمِّه، ومنه إهلالُ المُحْرِمِ بالحجِّ، إذا لَبَّى به، ومنه قولُ ابن أَحْمَرَ (١):
يُهِلُّ بالفَرْقَدِ رُكْبانُها … كما يُهِلُّ الراكبُ المُعْتَمِرْ
(١) مجاز القرآن ١/ ١٥٠، وجمهرة اللغة ٢/ ٣٨٧، واللسان (ر ك ب، ع م ر، ر ج ع، هـ ل ل).