للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي تَنْطَحُها أُخرى فتَموتُ من النِّطاحِ بغير تَذْكيةٍ، فحرَّم اللهُ جلّ ثناؤُه ذلك على المؤمنين إن لم يُدْرِكوا ذَكاتَه قبلَ موتِه.

وأصلُ النَّطِيحةِ المَنْطوحةُ، صُرِفَت مِن مَفعولةٍ إلى فَعِيلةٍ.

فإن قال قائلٌ: وكيف أُثْبِتَت الهاءُ؛ هاءُ التأنيثِ فيها، وأنت تَعْلَمُ أن العربَ لا تَكادُ تُثْبِتُ الهاءَ في نَظائِرِها إذا صرَفوها صرفَ "النَّطيحةِ" من مفعولٍ إلى فَعيلٍ، إنما تَقولُ: لحيةٌ دَهينٌ، وعينٌ كحيلٌ، وكفٌّ خَضيبٌ. ولا يقولون: كفٌّ خَضيبةٌ، ولا: عينٌ كَحِيلةٌ؟

قيل: قد اختَلَف أهلُ العربيةِ في ذلك؛ فقال بعضُ نحويى البصرةِ: أُثْبِتَت فيها الهاءُ - أعنى في "النَّطيحةِ" - لأنها جُعِلَت كالاسمِ؛ مثلَ الطويلةِ والطريقةِ. فكأن قائلَ هذا القولِ وجَّه النَّطيحةَ إلى معنى الناطحةِ.

فتأويلُ الكلامِ على مذهبِه: وحُرِّمَت عليكم الميتةُ نِطاحًا. كأنه عنَى: وحُرِّمَت عليكم الناطحةُ التي تَموتُ مِن نِطاحِها.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: إنما تَحْذِفُ العربُ الهاءَ مِن الفَعيلةِ المصروفِة عن المفعولِ إذا جعَلَتْها صفةً لاسمٍ قد تقَدَّمَها، فتقولُ: رأينا كفًّا حَضيبًا، وعينًا كَحيلًا. فأما إذا حذَفَتِ الكفَّ والعينَ والاسمَ الذي يَكونُ فَعيلٌ نعتًا لها، واجتَزَءوا بفعيلٍ منها، أثبَتُوا فيه هاءَ التأنيثِ؛ ليُعْلَمَ بثبوتِها فيه أنها صفةٌ للمؤنتِ دونَ المذكَّرِ، فتقولُ: رأَيْنا كحيلةً، وخَضيبةً، وأَكيلةَ السَّبُعِ. قالوا: ولذلك أُدْخِلت الهاءُ في "النَّطيحةِ"؛ لأنها صفةُ المؤنثِ، ولو أُسْقِطَت منها لم يُدْرَ أهى صفةٌ للمؤنثِ أو للمذكرِ.