للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَخْرِقُ جوفَها السَّبُعُ حتى تَخْرُجَ أمعاؤُها، فقال مالكٌ: لا أَرَى أَن تُذَكَّى ولا تُؤْكَلَ، أَيُّ شيءٍ يُذَكَّى منها (١)!

وحدَّثني يونُسُ، عن أشْهَبَ، قال: سُئِل مالكٌ عن السَّبُعِ (٢) يَعْدُو على الكَبْشِ فَيَدُقُّ ظهرَه، أَتَرَى أن يُذَكَّى قبلَ أن يَموتَ فيُؤْكَلَ؟ قال: إن كان بلَغ السَّحْرَ (٣)، فلا أرى أن يُؤْكَلَ، وإن كان إنما أصاب أطْرافَه، فلا أرَى بذلك بأسًا. قيل له: وثَب عليه فدَقَّ ظهرَه. فقال: لا يُعْجِبُنى أن يُؤكَلَ، هذا لا يَعِيشُ منه. قيل له: فالذئبُ يَعْدُو على الشاةِ فَيَشُقُّ بطنَها ولا يَشُقُّ الأمْعاءَ؟ قال: إذا شقَّ بطنَها فلا أَرَى أَن تُؤْكَلَ (٤).

وعلى هذا القولِ يَجِبُ أن يَكونَ قولُه: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾. استثناءً مُنْقَطِعًا.

فيكونُ تأويلُ الآيةِ: حُرَّمَت عليكم الميتةُ والدمُ وسائرُ ما ذكَرْنا، ولكن ما ذكَّيْتُم من الحيواناتِ التي أحْلَلْتُها لكم بالتذكيةِ حَلالٌ.

وأولى القولين في ذلك عندَنا بالصوابِ القولُ الأولُ، وهو أن قولَه: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ استثناءٌ من قولِه: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾؛ لأن كلَّ ذلك مُسْتَحِقٌّ الصفةَ التي هو بها قبلَ حالِ موتِه، فيُقالُ لِمَا قرَّب المشركون لآلهتِهم فسمَّوْه لهم: هو ما أُهِلَّ لغيرِ اللهِ به. بمعنى: سُمِّي قُرْبانًا لغيرِ اللهِ، وكذلك المنخنقةُ إذا انْخنَقَت، وإن لم تَمُتْ فهيَ مُنْخَنِقَةٌ،


(١) ذكره ابن كثير ٣/ ٢٠ في تفسيره.
(٢) في الأصل: "الضبع".
(٣) السَّحْر والسَّحَر والسُّحْر: ما التزق بالحلقوم والمرئ من أعلى البطن وكذلك هو الرئة. اللسان (س ح ر).
(٤) تفسير ابن كثير ٣/ ٢٠.