للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكهنةِ، فإذا أراد الرجلُ أن يُسافرَ أو يَتَزَوَّجَ أو يُحْدِثَ أمرًا، أتى الكاهنَ فأعطاه شيئًا، فضرَب له بها، فإن خرَج شيءٌ يُعْجِبُه منها أمَره ففعَل، وإن خرَج منها شيءٌ يَكْرَهُه نهاه فانتَهى، كما ضرَب عبدُ المطلبِ على زمزمَ، وعلى عبدِ اللهِ والإبلِ (١).

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عبدِ اللهِ بن كثيرٍ، قال: سمِعنا أن أهلَ الجاهليةِ كانوا يَضْرِبون بالقداحِ في الظَّعْنِ والإقامة، أو الشيءِ يُريدونه، فيَخْرُجُ سهمُ الظَّعنِ فيَظْعَنُون، والإقامةِ فيُقِيمون.

وقال ابن إسحاقَ في الأزلامِ ما حدَّثني به ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: كانت هُبَلُ أعظمَ أصنامِ قُرَيشٍ بمكةَ، وكانت على بئرٍ في جوفِ الكعبةِ، وكانت تلك البئرُ هي التي يُجْمَعُ فيها ما يُهْدَى للكعبةِ، وكان عندَ هُبَلَ سبعةُ أقدحٍ، كلُّ قِدْح منها فيه كتابٌ؛ قدح فيه العَقْلُ (٢)، إذا اختَلَفوا في العَقْلِ مَن يَحْمِلُه منهم ضرَبوا بالقِداحِ السبعةِ، وقِدْحٌ فيه "نَعَم" للأمرِ إذا أرادوه يُضْرَبُ به، فإن خرَج قِدْحُ "نَعَم" عمِلوا به، وقِدْحٌ فيه "لا"، فإذا أرادوا أمرًا ضَرَبوا به في القِداحِ، فإذا خرَج ذلك القِدْحُ لم يَفْعَلوا ذلك الأمرَ، وقِدْحٌ فيه "منكم" وقِدْحٌ فيه "مُلْصَقٌ" وقِدْحٌ فيه "مِن غيرِكم" وقِدْحٌ فيه "المياهُ" إذا أرادوا أن يَحْفِروا للماءِ ضرَبوا بالقِداحِ وفيها ذلك القِدْحُ، فحيثما خرَج عمِلوا به. وكانوا إذا أرادوا أن يَخْتِنُوا (٣) غلامًا، أو أن يُنْكِحُوا مَنْكَحًا، أو أن يَدْفِنوا مَيِّتًا، أو يَشُكُّوا في نسبِ أحدِهم، ذهَبوا به إلى هُبَلَ، وبمائةِ درهمٍ وبجَزُورٍ، فأعطوها صاحبَ القداحِ الذي يَضْرِبُها، ثم قرَّبوا صاحبَهم الذي يُريدون به ما يُريدون، ثم قالوا: يا إلَهنا،


(١) ينظر التبيان ٣/ ٤٣٤.
(٢) العقل: الدية. الوسيط (ع ق ل).
(٣) في م: "يجتبوا".