للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائلٌ: أَو ما كان اللهُ راضيًا الإسلامَ دينًا (١) لعبادِه إلا يومَ أَنْزَل هذه الآيةَ؟

قيل له: لم يَزَلِ اللهُ جلَّ ثناؤُه راضيًا لخلقِه الإسلامَ دينًا، ولكنه جلَّ ثناؤُه لم يَزَلْ يُصَرِّفُ نبيَّه محمدًا وأصحابَه في درجاتِ الإسلامِ (٢) ومراتبِه درجةً بعدَ درجةٍ، ومرتبةً بعدَ مرتبةٍ، وحالًا بعدَ حالٍ، حتى أكمَل لهم شرائعَه ومعالَمه، وبلغَ بهم أقصى درجاتِه ومراتبِه، ثم قال حينَ أنْزَل عليهم هذه الآيةَ: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ (٣)﴾. بالصفةِ التي هو بها اليومَ، والحالِ التي أنتم عليها اليوم منه، ﴿دِينًا﴾، فالزَمُوه ولا تُفارِقُوه.

وكان قتادةُ يقولُ في ذلك ما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: ذُكِر لنا أنه يَمْثُلُ لأهلِ كلِّ دينٍ دينُهم يومَ القيامةِ، فأما الإيمانُ فيُبَشِّرُ أصحابَه وأهلَه ويَعِدُهم في الخيرِ، حتى يَجِيءَ الإسلامُ، فيقولَ: ربِّ، أنت السلامُ وأنا الإسلامُ. فيقولَ: إياك اليومَ أقْبَلُ، وبك اليومَ أجْزِى.

وأحسَبُ أن قتادةَ وجَّه معنى الإيمانِ بهذا الخبرِ إلى معنى التصديقِ والإقرارِ باللسانِ؛ لأن ذلك معني الإيمانِ عندَ العربِ، ووجَّه معنى الإسلامِ إلى استسلامِ القلبِ وخضوعِه للهِ بالتوحيدِ، وانقيادِ الجسدِ له بالطاعةِ فيما أمَر ونهَى، فلذلك قال (٤) للإسلامِ: إياك اليومَ أقبَلُ، وبك اليومَ أجْزِى.


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) سقط من: م.
(٣) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "دينا".
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "قيل".