للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأظنُّه هو في هذا الموضعِ معنيٌّ به اضْطِمارُه مِن الجوعِ وشدةِ السَّغَبِ (١). وقد يكونُ في غيرِ هذا الموضعِ اضْطِمارًا منِ غيرِ الجوعِ والسَّغَبِ، ولكن مِن خِلْقَةٍ، كما قال نابغةُ بنى ذُبيانَ في صفةِ امرأةٍ بخَمْصِ البطنِ (٢):

والبَطْنُ ذو عُكَنٍ خَمِيصٌ لَيِّنٌ … والنَّحْرُ تَنْفُجُه بثَدْىٍ مُقْعَدِ (٣)

فمعلومٌ أنه لم يُرِدْ صِفَتَها بقولِه: خَمِيصٌ. بالهُزالِ والضُّرِّ مِن الجوعِ، ولكنه أراد وصفَها بلطافةِ طَيِّ ما علا الأوراكَ والأفخاذَ مِن جسدِها؛ لأن ذلك مما يُحْمَدُ مِن النساءِ، ولكنَّ الذي في معنى الوصفِ بالاضْطِمارِ والهُزالِ مِن الضُّرِّ مِن ذلك قولُ أعشَى بنى ثعلبةَ (٤):

تَبِيتُون في المَشْتَى مِلاءً بُطُونُكُمْ … وجاراتُكم غَرْثَى (٥) يَبِتْنَ خَمَائِصَا

يَعْنى بذلك: يَبِتْنَ مُضْطَمِراتِ البطونِ مِن الجوعِ والسَّغَبِ والضُّرَّ. فمن هذا المعنى قولُه: ﴿فِي مَخْمَصَةٍ﴾.

وكان بعضُ نحويِّى البصرةِ يقولُ: المَخْمَصةُ المصدرُ مِن خَمَصه الجوعُ.

وكان غيرُه مِن أهلِ العربيةِ يَرَى أنها اسمٌ للمصدَرِ وليست بمصدرٍ، ولذلك تَقَعُ المَفْعَلةُ اسمًا في المصادرِ للتأنيثِ والتذكيرِ.

وبنحوِ الذي قُلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) السغب: الجوع مع التعب. اللسان (س غ ب).
(٢) ديوان النابغة ص ٣٨.
(٣) العُكن: الأطواء في البطن من السِّمَن، وتنفجه: ترفعه، والمقعد من الثدى: الناهد الذي لم ينثن بعد ولم يتكسر. اللسان (ن ف ج، ق ع د، ع ك ن).
(٤) ديوانه ص ١٤٩.
(٥) غرثى: جوعى.