للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذه الآيةِ، غيرَ مُتَجانفٍ لإثم فأكَلَه، فإن الله له (١) غَفُورٌ رَحِيمٌ. فتَرَك ذِكْرَ "فأكَله"، وذِكْرَ "له"؛ لدلالةِ سائرِ ما ذكَر مِن الكلامِ عليهما.

وأما قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. فإن معناه: فإن الله لمن أكَل ما حرَّمتُ عليه بهذه الآيةِ أَكْلَه، في مَخْمصةٍ غيرَ متجانفٍ لإثمٍ، ﴿غَفُورٌ﴾. يقولُ: يَسْتُرُ له عن أكلِه ما أكَل مِن ذلك بعفوِه عن مؤاخذتِه إياه، وصفحِه عنه، وعن عقوبتِه عليه، ﴿رَحِيمٌ﴾. يقولُ: وهو به رفيقٌ، ومِن رحمتِه ورِفقِه به أباح له أكلَ ما أباح له أكْلَه مِن المَيْتةِ وسائرِ ما ذكَر معها في هذه الآيةِ، في حالِ خوفِه على نفسِه من كَلَبِ الجوعِ وضُرِّ الحاجةِ العارضةِ ببَدَنِه.

فإن قال قائلٌ: وما الأكلُ الذي وعَد اللهُ المُضْطَرَّ إلى المَيْتةِ وسائرِ المحرَّماتِ معها بهذه الآيةِ غفرانَه إذا أكَل منها؟

قيل: ما حدَّثني عبدُ الأعلى بنُ واصلٍ الأسَدِيُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ القاسمِ الأسديُّ، عن الأوزاعيِّ، عن حسانِ بن عطيةَ، عن أبي واقدٍ الليثيِّ، قال: قلنا: يا رسولَ اللهِ، إنّا بأرضٍ تُصيبُنا فيها مَخْمَصَةٌ، فما يَصْلُحُ لنا مِن المَيْتَةِ؟ قال: "إذا لم تَصْطَبِحُوا، أو تَغْتَبِقوا، أو تَحتَفِئُوا بقلًا (٢)، فشأنَكم بها" (٣).


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) قال أبو عبيد: وأما قوله: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا. فإنه يقول: إنما لكم منها الصبوح، وهو الغداء، أو الغبوق، وهو العشاء. يقول: فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة.
قال الأزهرى: قد أُنكر هذا على أبي عبيد، وفُسِّر أنه أراد: إذا لم تجدوا لُبَيْنَة تصطبحونها، أو شرابا تغتبقونه، ولم تجدوا بعد عدمكم الصبوحَ والغبوقَ بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة. قال: وهذا هو الصحيح. وتحتفئوا بقلا: هو من الحَفَأ، مهموز مقصور، وهو أصل البرديّ الأبيض الرطب منه، وهو يؤكل. يقول: ما لم تقتلعوا هذا بعينه عينه فتأكلوه.
ينظر غريب الحديث لأبي عبيد (١/ ٦٠، ٦١)، وتهذيب اللغة (٤/ ٢٦٤)، والنهاية (١/ ٤١١، ٣/ ٥، ٦).
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٢١٨) (الميمنية)، والبيهقى (٩/ ٣٥٦) من طريق محمد بن القاسم به =