للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسولِ اللَّهِ ، وأخَذَه فسلَّه، ثم أقْبَل على النبيِّ ، فقال: مَن يَمْنَعُك منى؟ والنبيُّ يقولُ: "اللَّهُ". فشامَ الأعْرابيُّ السيفَ، فدعا النبيُّ أصحابَه، فأَخْبَرَهم خبرَ الأعرابيِّ، وهو جالسٌ إلى جنبِه لم يُعاقِبْه.

قال مَعْمَرٌ: وكان قَتادة يَذْكُرُ نحوَ هذا، وذكَر أن قومًا مِن العربِ أرادوا أن يَفْتِكُوا برسولِ اللَّهِ ، فأرْسَلوا هذا الأعرابيَّ. وتأَوَّل: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ الآية (١).

وأولى الأقوالِ بالصحةِ في تأويلِ ذلك قولُ مَن قال: عنَى اللَّهُ بالنعمةِ التي ذكَر في هذه الآيةِ نعمتَه على المؤمنين به وبرسولِه التي أنْعَم بها عليهم في استْنِقاذِه نبيَّهم محمدًا ، مما كانت يهودُ بنى النَّضِيرِ همَّت به مِن قتلِه وقتْلِ مَن معه، يومَ سار إليهم نبيُّ اللَّهِ في الديةِ التي كان تَحَمَّلَها عن قتيلَىْ عمرِو بنِ أُميةَ.

وإنما قلْنا: ذلك أولى بالصحةِ في تأويلِ ذلك؛ لأن اللَّهَ عقَّب ذكْرَ ذلك برمْى اليهودِ بصَنائعِها، وقَبيحِ أفعالِها، وخِيانتِها ربَّها وأنْبياءَها، ثم أمَر نبيَّه بالعفوِ عنهم والصَّفْحِ عن عظيمِ جهلِهم، فكان معلومًا بذلك أنه لم يُؤْمَرُ بالعفوِ عنهم والصَّفْحَ عَقِيبَ قولِه ﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾. ومَن (٢) غيرُهم كان يَبْسُطُ الأيْدىَ إليهم. لأنه لو كان الذين همُّوا بيبسطِ الأيدى إليهم غيرَهم، لكان حَرِيًّا أن يَكونَ الأمرُ بالعفوِ والصفحِ عنهم، لا عمَّن لم يَجْرِ لهم بذلك ذكرٌ، ولَكان الوصفُ بالخيانةِ في وصفِهم في هذا الموضعِ، لا في وصفِ مَن لم يَجْرِ لخيانتِه ذكرٌ، ففى ذلك ما يُنْبِئُ عن صحةِ ما قضَيْنا له بالصحةِ مِن التأويلاتِ في ذلك دونَ ما خالَفه.


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ١٨٥، ومن طريقه عبد بن حميد (١٠٨٢)، والبخارى (٤١٣٩)، ومسلم (٨٤٣).
(٢) كذا في النسخ، ولعل صواب الكلام أن يكون: وغيرهم بحذف "من".