للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأَنزَل اللهُ ﷿ في قولِهما: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (١).

ويعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا﴾: قد جاءكم محمدٌ رسولُنا، ﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾. يقولُ: يعرِّفُكم الحقَّ، ويوضِّحُ لكم أعلامَ الهدى، ويُرْشِدُكم إلى دينِ اللهِ الْمُرْتَضَى.

كما حدثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾: وهو محمدٌ ، جاء بالفرقانِ الذي فرَّق اللهُ به بينَ الحقِّ والباطلِ، فيه بيانُ اللهِ ونورُه وهُدَاه، وعصمةٌ لمن أخَذ به (٢).

﴿عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾. يقولُ: على انقطاعٍ من الرسلِ، والفَتْرةُ في هذا الموضعِ الانقطاعُ. يقولُ: قد جاءكم رسولُنا يبيِّنُ لكم الحقَّ والهُدَى على انقطاعٍ من الرسلِ.

والفَتْرةُ الفَعْلةُ، من قولِ القائلِ: فتَر هذا الأمرُ يَفْتُرُ فُتورًا. وذلك إذا هدَأ وسكَن، وكذلك الفَتْرةُ في هذا الموضعِ معناها السكونُ، يرادُ به سكونُ مجئِ الرسلِ، وذلك انقطاعُها.

ثم اختلف أهلُ التأويلِ في قَدْرِ مدةِ تلك الفترةِ، فاخْتُلِف في الروايةِ في ذلك عن قتادةَ؛ فروَى معمرٌ عنه ما حدثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾. قال: كان بينَ


(١) هذا الأثر طرف من الأثر المتقدم في ص ٢٦٩.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٦٩ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.