للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (١).

فعلى هذه القراءةِ وهذا التأويلِ، لم يكتُمْ من الاثنَىْ عشَرَ نقيبًا أحدٌ ما أمَرهم موسى بكتمانِه بنى إسرائيلَ، مما رأَوا وعايَنوا من عِظَم أجسامِ الجبابرةِ، وشدةِ بطشِهم، وعجيبِ أمورِهم، بل أَفْشَوا ذلك كلَّه. وإنما القائلُ للقومِ ولموسى: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾. رجلان من أولادِ الذين [كان بنو] (٢) إسرائيلَ يخافونَهم، ويرهَبون الدخولَ عليهم من الجبابرةِ، كانا أَسْلَما واتَّبَعا نبيَّ اللهِ .

وأَوْلى القراءتين بالصوابِ عندَنا قراءةُ من قرَأ: ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾. لإجماعِ قرأةِ الأمصارِ عليها، وأن ما اسْتَفاضت به القراءةُ [عنهم فحجةٌ] (٣) لا يجوزُ خَلافُها، وما انفرد به الواحدُ، فجائزٌ فيه الخطأُ والسهوُ. ثم في إجماع الحجةِ في تأويلِها على أنهما رجلان من أصحابِ موسى من بني إسرائيلَ، وأنهما يوشعُ وكالبُ (٤)، ما أغنَى عن الاستشهادِ على صحةِ القراءةِ بفتحِ الياءِ في ذلك، وفسادِ غيرِه، وهو التأويلُ الصحيحُ عندنا؛ لما ذكَرنا من إجماعِها عليه.

وأما قولُه: ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾. فإنه يعنى: أَنْعَمَ اللهُ عليهما بطاعةِ اللهِ في طاعةِ نبيِّه موسى ، وانتهائِهم إلى أمرِه، والانزجارِ عما زجَرهما عنه ، من إفشاء ما عاينا من عجيب أمرِ الجبَّارين إلى بنى إسرائيلَ، الذي حذَّر (٥) عنه أصحابُهما الآخرون (٦) الذين كانوا معهما من النقباءِ.


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ٧٠ عن علي بن أبي طلحة به مختصرًا، وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "كانوا بنى".
(٣) في ص، ت ١، س: "منهم بحجة".
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "كلاب".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "حدل"، وفى س: "خذل". وأثبتها الشيخ شاكر: "حدَّث".
(٦) في م: "الآخرين".