للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدينتِهم، أنهم (١) قالوا له: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا﴾. يعُنون: إنا لن ندخُلَ مدينتَهم أبدًا. والهاءُ والألفُ في قولِه: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا﴾. من ذكرِ المدينةِ. ويعنون بقولِهم: ﴿أَبَدًا﴾: أيامَ حياتِنا، ﴿مَا دَامُوا فِيهَا﴾. يَعنُون (٢): ما كان الجبّارون مقيمين في تلك المدينةِ التي كتَبها اللهُ لهم، وأُمِروا بدخولِها، ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾: لا نجيءُ معك يا موسى إن ذهَبتَ إليهم لقتالِهم، ولكن نتركُك تذهبُ أنت وحدَك وربُّك، فتُقاتلانهم.

وكان بعضُهم يقولُ في ذلك (٣): ليس معنى الكلامِ: اذهبْ أنت ولْيَذْهَبْ معك ربُّك فقاتلا. ولكن معناه: اذهبْ أنت يا موسى ولْيُعِنْكَ ربُّك؛ وذلك أن الله لا يجوزُ عليه الذهابُ.

وهذا إنما كان يحتاجُ إلى طلب المَخْرَجِ له لو كان الخبرُ عن قومٍ مؤمنين، فأما قومٌ أهلُ خلافٍ على اللهِ عزَّ ذكرُه ورسولِه، فلا وجهَ لطلبِ المخرجِ لكلامِهم فيما قالوا في اللهِ ﷿، وافْتَرْوا عليه، إلا بما يشبهُ كفرَهم وضلالتَهم.

وقد ذُكر عن المقدادِ أنه قال لرسولِ الله خلافَ ما قال قومُ موسى لموسى.

حدَّثنا سفيانُ بنُ وكيعٍ، قال: ثنا أبى، وحدَّثنا هنَّادٌ، قال: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن مُخارِقٍ، عن طارقٍ، أن المقدادَ بنَ الأسودِ قال للنبي : إنا لا نقولُ كما قالت بنو إسرائيلَ: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾. ولكن نقولُ: اذهبْ أنت وربُّك فقاتلا، إنا معكم مقاتلون (٤).


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أنه".
(٢) في م: "يعني".
(٣) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ١/ ١٦٠. وهذا معنى كلامه.
(٤) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، وابن أبي خيثمة في تاريخه - كما في التغليق ٤/ ٢٠٤ - =