للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾: لِمَا ترَكوا مِن الحقِّ بعدَ معرفتِه (١).

حدَّثني المُثَنَّى، قال: حدَّثنا إسحاقُ، قال: حدَّثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ بنِ أنس، قال: ثم قال - يعْني: قال اللهُ - في أسْماعِهم - يعني أسْماعَ المنافِقِين - وأبصارِهم التي عاشُوا بها في الناسِ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ (٢).

وإنما معنَى قوله: ﴿لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾: لأذهب سمعَهم وأبصارَهم. ولكنَّ العربَ إذا أدخلوا الباءَ في مثلِ ذلك قالوا: ذهبتُ ببصرِه. وإذا حذَفوا الباءَ قالوا: أذهبتُ بصرَه. كما قال جلّ ذكرُه: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ [الكهف: ٦٢]. ولو أدخلتِ الباءُ في الغداءِ لقيل: آتِنا بغدائِنًا.

فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل: ﴿لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾ فوحَّد، وقال: ﴿وَأَبْصَارِهِمْ﴾ فجمَع، وقد علِمْتَ أن الخبرَ في السمعِ خبرٌ عن سمعِ جماعةٍ، كما الخبرُ في الأبصارِ خبرٌ عن أبصارِ جماعةٍ؟

قيل: قد اخْتَلَف أهلُ العربيةِ في ذلك، فقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ: وحَّد السمعَ لأنه عَنَى به المصدرَ وقصَد به الخَرْقَ، وجمَع الأبصارَ لأنه عَنَى بها (٣) الأعينَ.


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٣٣، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٥٩ (٢١٣) من طريق سلمة به. وتقدم أول هذا الأثر في ص ٣٣٦.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٥٩ (٢١٢) من طريق أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية.
(٣) في ص، ر، م، ت ١، ت ٢: "به".