للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [فاطر: ٣٣]. فكذلك معنى المعطوفِ بـ "أو" في قولِه: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ الآية. إنما هو التعقيبُ. فتأويلُه: إن الذي يحاربُ الله ورسولَه، ويسعى في الأرضِ فسادًا، لن يَخْلُوَ مِن أَن يَستَحِقَّ الجزاءَ بإحدى هذه الخلالِ الأربعِ التي ذكَرها الله عزّ ذكرُه. لا أن الإمام محكَّمٌ ومخيَّرٌ في أمرِه، كائنةً ما كانت حالته (١)، عَظُمَتْ جَرِيرَتُه أو خَفَّتْ؛ لأن ذلك لو كان كذلك، لكان للإمامِ قتلُ مَن شَهَر السلاحَ مخيفًا السبيلَ وصَلْبُه وإن لم يَأْخُذْ مالًا ولا قتَل أحدًا، وكان له نَفْى مَن قتَل وأَخَذ المالَ وأخاف السبيلَ. وذلك قولٌ إن قالَه قائلٌ، خِلافُ ما صَحَّتْ به الآثارُ عن رسولِ اللَّهِ مِن قولِه: "لا يحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مسلمٍ إلا بإحْدَى ثلاث؛ رَجُلٍ قَتَل رَجُلًا فقُتِل، أَوْ زَنى بعدَ إحصان فرُجِم، أو ارْتَدَّ عن دينِه" (٢). وخِلافُ قوله: "القَطْعُ في رُبْعِ دينارٍ فصاعِدًا" (٣). وغيرُ المعروفِ من أحكامِه.

فإن قال قائلٌ: فإن هذه الأحكامَ التي ذكَرتَ كانتْ عن رسولِ اللهِ في غيرِ المحاربِ، وللمحاربِ حكمٌ غيرُ ذلك مُنفَردٌ به؟

قِيل له: فما الحكمُ الذي انفَرَد به المحاربُ في سننِه؟ فإن ادَّعَى عنه حكمًا خلافَ الذي ذَكَرْنا، أكْذَبَه جميعُ أهلِ العلمِ؛ لأن ذلك غيرُ موجودٍ بنقل واحدٍ ولا جماعةٍ، وإن زَعَم أن ذلك الحكم هو ما في ظاهرِ الكتابِ، قيل له: فإن أَحْسَنَ حالاتِك - إن سُلِّم لك (٤) - أن ظاهرَ الآية قد يَحْتَمِلُ ما قلتَ وما قاله مَن خالَفَك، فما برهانُك على أن تأويلَك أولَى بتأويلِ الآية مِن تأويلِه؟


(١) بعده في م: "و".
(٢) تقدم تخريجه في ص ٣٧٧.
(٣) سيأتي تخريجه في ص ٤٠٨.
(٤) في م: "يسلم".