وهذا وإن كان مِن اللهِ تعالى ذكرُه خطابًا لنبيِّه ﷺ، فإنه تَقْريعٌ منه لليهود الذين نزَلَت فيهم هذه الآيةُ، يَقولُ لهم تعالى ذكرُه: كيف تُقِرُّون أيُّها اليهودَ بحكمِ نبيِّى محمدٍ ﷺ مع جُحودِكم نُبُوَّته وتَكْذيبِكم إياه، وأنتم تَتْرُكون حُكْمى الذي تُقِرُّون به أنه حقٌّ عليكم واجبٌ جاءَكم به موسى مِن عِندِ اللَّهِ. يقولُ: فإذا كنتم تَتْرُكون حُكْمى الذي جاءَكم به موسى الذي تُقِرُّون بنبوتِه في كتابي، فأنتم بتركِ حكمى الذي يُخْبِرُكم به نبيِّى محمدٌ أنه حكمي، أحْرَى مع جُحودِكم نبوتَه.
ثم قال تعالى ذكرُه مُخْبِرًا عن حالِ هؤلاء اليهودِ الذين وصَف صفتَهم في هذه الآيةِ عندَه، وحالِ نُظرائهم مِن الجائِرِين عن حكمِه، الزائلين عن مَحَجَّةِ الحقِّ، ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾. يقولُ: ليس مَن فعَل هذا الفعلَ - أيْ: مَن تَوَلَّى عن حُكمِ اللهِ الذي حكَم به في كتابِه الذي أنْزَله على نبيِّه في خلقه - بالذي صدَّق الله ورسولَه، فأقَرَّ بتوحيده ونبوةِ نبيِّه ﷺ؛ لأن ذلك ليس مِن فعلِ أهلِ الإيمانِ.
وأصلُ التَّوَلِّي عن الشيءِ الانصرافُ عنه.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عبدِ اللهِ بن كَثِيرٍ: ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾. قال: تَولِّيهم: ما تركوا مِن كتابِ اللهِ.
حدَّثنا المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني مُعاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ قوله: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾. يعني حدودَ اللهِ، فأخْبَر اللهِ بحكمِه في التوراةِ (١).
حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَعِنْدَهُمُ
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١١٣٧ (٦٣٩٤) من طريق عبد الله بن صالح به.