للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على صِدْقِه، وبرهانِه على حقيقةِ نبوَّتِه، وأن ما جاء به مِن عندي، عجزُ جميعِكم وجميعِ مَن تستعينون به مِن أعوانِكم وأنصارِكم عن أن تأتوا بسورةٍ مِن مثلِه، وإذا عجَزتم عن ذلك وأنتم أهلُ البراعةِ في الفصاحةِ والبلاغةِ والذَّرابةِ (١)، فقد علِمتم أن غيرَكم عما عجَزتم عنه مِن ذلك أعجَزُ، كما كان برهانُ مَن سلَف مِن رُسُلي وأنبيائي على صدْقِه، وحُجتُه على نبوَّتِه مِن الآياتِ ما يعجِزُ عن الإتيانِ بمثلِه جميعُ خلقي. فتقرَّر حينئدٍ عندَكم أن محمدًا لَمْ يتقوَّلْه ولم يختلِقْه، لأنَّ ذلك لو كان منه اختلاقًا وتقوُّلًا لَمْ تعجِزوا وجميعُ خَلْقِي (٢) عن الإتيانِ بمثلِه؛ لأنَّ محمدًا لَمْ يَعْدُ أن يكونَ بشرًا مثلَكم، وفي مثلِ حالِكم في الجسمِ وبَسْطةِ الخَلقِ وذَرابةِ اللسانِ، فيُمكِن أن يُظنَّ به اقتدارٌ على ما عجَزتم عنه، أو يُتوهَّمَ منكم (٣) عجزٌ عما اقْتَدر عليه.

ثم اخْتلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ (٤) قولِه: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾؛ فحَدَّثَنَا بشرٌ، قال: حَدَّثَنَا يزيدُ، قال: حَدَّثَنَا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ يعني بذلك: مِن مثلِ هذا القرآنِ حقًّا وصدقًا، لا باطلَ فيه ولا كَذِبَ (٥).

حَدَّثَنَا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزَّاقِ، قال: أَخْبرنا مَعْمرٌ، عن


(١) في م: "الدرابة".
والذرابة: حِدَّةُ نحوِ السيف والسنان، وتستعار لطلاقة اللسان مع عدم اللكنة. التاج (ذ ر ب).
(٢) في م: "خلقه".
(٣) في ص: "فيكم".
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٦٣ (٢٣٨) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٥ إلى عبد بن حميد.