للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكلِّكم (١)، مِن دخَل في دينِ محمدٍ فقد جعَل اللَّهُ له شرعةً ومنهاجًا. يقولُ: القرآنُ هو له شِرْعةٌ ومِنْهاجٌ.

وأولى القولين في ذلك عندى بالصوابِ قولُ مَن قال: معناه: لكلِّ أهلِ ملةٍ منكم أيُّها الأممُ جعَلْنا شِرعةً ومنهاجًا.

وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب؛ لقولِه: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾. ولو كان عَنَى بقولِه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ﴾ أمّةَ محمدٍ - وهم أمّةٌ واحدةٌ - لم يكنْ لقولِه: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ - وقد فعَل ذلك فجَعَلَهم أمةً واحدةً - معنًى مفهومٌ، ولكنْ معنى ذلك على ما جرَى به الخطابُ مِن اللَّهِ لنبيِّه محمدٍ أنه ذكَر ما كتَب على بني إسرائيلَ في التوراةِ، وتقَدَّم إليهم فيها (٢) بالعملِ بما فيها، ثم ذكر أنه قفَّى بعيسى ابن مريمَ على آثارِ الأنبياءِ قبلَه، وأَنْزَل عليه الإنجيلَ، وأمَر مَن بعَثه إليه بالعملِ بما فيه، ثم ذكَر نبيَّنا محمدًا ، وأَخْبَرَه أنه أنْزَل إليه الكتابَ مُصَدِّقًا لما بينَ يديه مِن الكتابِ، وأمَرَه بالعملِ بما فيه، والحكمِ بما أنْزَل إليه فيه دونَ ما في سائرِ الكتبِ غيرِه، وأعْلَمَه أنه قد جعَل له ولأمتِه شَريعةً غيرَ شرائعِ الأنبياءِ والأممِ قبلَه الذين قصَّ عليه (٣) قَصصَهم، وإن كان دينُه ودينُهم في توحيدِ اللَّهِ، والإقرارِ بما جاءَهم به مِن عندِه، والانتهاءِ إلى أمْرِه ونهيِه - واحدًا، فهم مُختلِفو الأحوالِ فيما شُرع لكلِّ واحدٍ منهم ولأمتِه فيما أُحِلَّ لهم وحُرِّم عليهم.

وبنحوِ الذي قلنا في "الشرعةِ" و "المنهاجِ" مِن التأويلِ قال أهلُ التأويلِ.


(١) في س: "للحكم".
(٢) سقط من: م.
(٣) في م: "عليهم".