للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فبادِروا أيُّها الناسُ إلى الصالحاتِ مِن الأعمالِ والقُرَبِ إلى ربِّكم، بإدْمانِ العملِ بما في كتابِكم الذي أنزَله إلى نبيِّكم، فإنه إنما أَنْزَله امْتحانًا لكم وابتلاءً؛ ليَتَبَيَّنَ المُحْسِنُ منكم مِن المُسِئ، فيُجازِىَ جميعَكم على عملِه عندَ مَصيرِكم إليه، فإن إليه مصيرَكم جميعًا، فيُخْبرَ كلَّ فريقٍ منكم بما كان يُخالِفُ فيه الفرقَ الأُخرى، فيَفْصِلَ بينَهم بفصلِ القَضاءِ، ويُبيَن المحقَّ بمجازاتِه (١) إياه بجَنّاتِه، مِن المسئِ، بعقابِه إياه بالنارِ، فيَتَبَيَّن حينَئذٍ كلُّ حزبٍ عِيانًا، المُحِقُّ منهم مِن المُبْطِلِ.

فإن قال قائلٌ: أَوَ لم يُنَبِّئْنا ربُّنا في الدنيا قبلَ مَرْجِعِنا إليه ما نحن فيه مُخْتَلِفون؟

فقيل: إنه بيَّن ذلك في الدنيا بالرسلِ والأدلةِ والحُجَجِ، دونَ الثوابِ والعقابِ عِيانًا، فمُصَدِّقٌ بذلك ومُكَذِّبٌ، وأما عند المَرْجِعِ إليه، فإنه يُنَبِّئُهم بذلك بالمُجازاةِ التي لا يشُكُّون معها في معرفةِ المُحِقِّ والمُبْطِلِ، ولا يَقْدِرون على إدْخال اللَّبْسِ معها على أنفسِهم، فكذلك خبرُه تعالى ذكرُه أنه يُنبِّئُنا عندَ المرجِعِ إليه بما كنا فيه نَخْتَلِفُ في الدنيا، وإنما معنى ذلك: إلى اللَّهِ مَرْجِعُكم جميعًا، فتَعْرِفون المُحِقَّ حينئذٍ مِن المُبطِلِ منكم.

كما حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا زيدُ بنُ حُبابٍ، عن أبي سنانٍ، قال: سَمِعْتُ الضَّحاكَ يقولُ: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾. قال: أمةُ محمدٍ ، البَرُّ والفاجرُ (٢).


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت، س: "مجازاته".
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة ١٣/ ٥٨١ عن زيد بن الحباب به.