للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأوْسِ، وهو مِن بنى عمرِو بن عوفٍ، فبعَثَه إلى قُرَيْظةَ حيَن نقَضَت العهدَ، فلمَّا أطاعوا له بالنزولِ، أشار إلى حلقِه: الذَّبْحَ الذَّبْحَ (١).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا أن يُقالَ: إن اللَّهَ تعالى ذكرُه نهَى المؤمنين جميعًا أن يَتَّخِذوا اليهودَ والنصارَى أنصارًا وخُلفاءَ على أهلِ الإيمانِ باللَّه ورسولِه (٢)، وأَخْبَر أَنه مَن اتَّخَذَهم نَصِيرًا وحَليفًا وولِيًّا مِن دونِ اللَّهِ ورسولِه والمؤمنين فإنه منهم في التَّحَزُّبِ على اللَّهِ وعلى رسولِه والمؤمنين، وأن اللَّهَ ورسولَه منه بَرِيئان.

وقد يَجوزُ أن تَكونَ الآيةُ نزَلَت في شأنِ عُبادةَ بن الصامتِ وعبدِ اللَّهِ بن أُبَيٍّ بن سَلُول وحُلَفائِهما مِن اليهودِ، ويَجوزُ أن تَكونَ نزَلَت في أبى لُبابةَ بسببِ فعلِه في بنى قُريظةَ، ويَجوزُ أن تَكونَ نزَلَت في شأنِ الرجلَيْن اللذين ذكَر السُّدِّيُّ أن أحدَهما همَّ باللِّحاقِ بدهلك اليهوديِّ، والآخَرَ بنَصْرانيٍّ بالشامِ، ولم يَصِحَّ بواحدٍ مِن هذه الأقوالِ الثلاثةِ خبرٌ يَثْبُتُ بمثلِه حُجَّةٌ فيُسَلَّمَ لصحتِه القولُ بأنه كما قيل.

فإذ كان ذلك كذلك، فالصواب أن يُحْكَمَ لظاهرِ التنزيلِ بالعمومِ على ما عمَّ، ويَجوزُ ما قاله أهلُ التأويلِ فيه مِن القولِ الذي لا علمَ عندَنا بخلافِه، غيرَ أنه لا شَكَّ أن الآيةَ نزَلَت في مُنافِقٍ كان يُوالِى يهودَ أو نصارى، خوفًا (٣) على نفسِه مِن دَوائرِ الدهرِ؛ لأن الآيةَ التي بعدَ هذه تَدُلُّ على ذلك، وذلك قولُه: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ الآية.

وأما قولُه: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾. فإنه عنَى تعالى ذكرُه بذلك أن بعضَ اليهودِ أنصارُ بعضِهم على المؤمنين، ويدٌ واحدةٌ على جميعِهم، وأن النصارى


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٩١ إلى المصنف وابن المنذر.
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "وغيرهم".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "جزعا".