للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحارثِ قد أظْهَرا الإسلامَ ثم نافَقَا، وكان رجالٌ من المسلمين يُوادُّونهما، فأنْزَل اللَّهُ فيهما: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ﴾ إلى قولِه: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾ (١).

فقد أبان هذا الخبرُ عن صحةِ ما قلْنا مِن أن اتِّخاذَ مَن اتَّخَذَ دينَ اللَّهِ هُزُوًا ولَعِبًا مِن أهلِ الكتابِ الذين ذكَرَهم اللَّهُ في هذه الآيةِ، إنما كان بالنِّفاقِ منهم، وإظْهارِهم للمؤمنين الإيمانَ، واسْتِبْطانِهم الكفرَ، وقيلِهم لشياطينِهم مِن اليهودِ إذا خلَوْا بهم: إنا معكم. فنهَى اللَّهُ عن مُوادَّتِهم ومُخالَّتِهم (٢)، والتمسكِ بحلفِهم، والاعْتِدادِ بهم أوْلياءَ، وأَعْلَمَهم أنهم لا يَأْلونهم خَبالًا، وفي دينِهم طَعْنًا، وعليه إزْراءً.

وأما الكفار الذين ذكَرَهم اللَّهُ تعالى ذكرُه في قولِه: ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ﴾. فإنهم المشركون مِن عَبَدَةِ الأوْثانِ، نَهَى اللَّهُ المؤمنين أن يَتَّخِذوا مِن أهلِ الكتابِ ومِن عَبَدةِ الأوْثانِ وسائرِ أهلِ الكفرِ أولياءَ دونَ المؤمنين.

وكان ابن مسعودٍ - فيما حدَّثني به أحمدُ بنُ يوسُفَ، قال: ثنا القاسمُ بنُ سَلَّامٍ، قال: ثنا حجاجٌ، عن هارونَ، عن ابن مسعودٍ - يَقْرَأُ: (من الذين أوتُوا الكتابَ من قبلِكم ومن الذين أشرَكوا) (٣).

ففى هذا بيانُ صحةِ التأويلِ الذي تأَوَّلْناه في ذلك.

واخْتَلَفَت القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأَتْه جَماعةٌ مِن أهلِ الحجازِ والبصرةِ


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٦٨، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١١٦٣ (٦٥٥٦) من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن أبى محمد قوله، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٩٤ إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.
(٢) في م: "مخالفتهم".
(٣) ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ١٣١ عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٩٤ إلى المصنف وأبي عبيد.