للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبَرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. قال: هؤلاء اليهودُ، ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ﴾ إلى قوله: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: ٦٢، ٦٣]. قال: ﴿يَصْنَعُونَ﴾ و ﴿يَعْمَلُونَ﴾ واحدٌ، قال لهؤلاء حينَ لم يَنْهَوْا كما قال لهؤلاء حينَ عمِلوا. قال: [وذلك الأركانُ] (١).

وهذا القولُ الذي ذكَرْناه عن السديِّ، وإن كان قولًا غيرَ مدفوعٍ جوازُ صحتِه، فإن الذي هو أولى بتأويلِ الكلامِ أن يَكونَ القومُ موصوفِين بأنهم يُسارِعون في جميع مَعاصِى اللَّهِ لا يَتَحاشَوْن مِن شيءٍ منها، لا مِن كفرٍ ولا مِن غيرِه؛ لأن اللَّهَ تعالى ذكرُه عمَّ في وصفِهم بما وصَفَهم به مِن أنهم يُسارِعون في الإثم والعُدْوانِ، مِن غير أن يَخُصَّ بذلك إِثْمًا دونَ إثمٍ.

وأما العُدْوانُ فإنه مُجاوَزةُ الحدِّ الذي حدَّه اللَّهُ لهم في كلِّ ما حدَّه لهم.

وتأويلُ ذلك أن هؤلاء اليهودَ الذين وصَفَهم في هذه الآياتِ بما وصَفَهم به تعالى ذكرُه، يُسارِعُ كثيرٌ منهم في مَعاصِى اللَّهِ وخِلافِ أَمْرِه، ويَتَعَدَّوْن حُدودَه التي حدَّ لهم، فيما أحَلَّ لهم وحَرَّم عليهم في أكلِهم السُّحْتَ، وذلك الرِّشْوةُ التي يَأْخُذونها مِن الناسِ على الحكمِ بخلافِ حكمِ اللَّهِ فيهم.

يقولُ اللَّهُ تعالى ذكرُه: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. يقولُ: أُقْسِمُ لَبِئسَ العمل ما كان هؤلاء اليهودُ يَعْمَلُون في مُسارَعتِهم في الإثمِ والعُدْوانِ وأَكْلِهم السُّحْتَ


(١) سقط مِن: م، وكلمة "الأركان" كذا في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س وتفسير ابن كثير، وفي تفسير ابن أبي حاتم: "الأمر كان". واستظهر الشيخ شاكر أن يكون صوابها: "الإدهان".
والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١١٦٦، ١١٦٧ (٦٥٦٧، ٦٥٧٢، ٦٥٧٤) من طريق أصبغ عن ابن زيد، وذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ١٣٦ عن ابن زيد.