للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

افتراقِ اليَعْقُوبيةِ والملكيةِ (١) والنَّسْطُوريةِ، كانوا فيما بلغنا يَقُولُون: الإلهُ القديمُ جوهرٌ واحدٌ، يَعُمُّ ثلاثةَ أقانيمَ، أبًا والدًا غيرَ مولودٍ، وابنًا مولودًا غيرَ والدٍ، وزوجًا متَتَبَّعةً بينهما. يقولُ اللهُ تعالى ذكرُه مكذِّبًا لهم فيما قالوا مِن ذلك: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾. يقولُ: ما لكم معبودٌ، أيها الناسُ، إلا معبودٌ واحدٌ، وهو الذي ليس بوالدٍ لشيءٍ، ولا مولودٍ، بل هو خالقُ كلِّ والدٍ ومولودٍ، ﴿وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ﴾. يقولُ: إن لم يَنْتَهوا قائلو هذه المقالةِ عما يَقُولُون من قولِهم: اللهُ ثالثُ ثلاثةٍ. ﴿لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. يقولُ: ليمسَّنَّ الذين يَقُولُون هذه المقالةَ، والذين يَقُولون المقالة الأخرى (٢): هو المسيحُ ابن مريمَ. لأن الفريقين كلاهما كفرةٌ مشركون، فلذلك رجَع في الوعيدِ بالعذابِ إلى العمومِ، ولم يَقُلْ: ليمسَّنَّهم عذابٌ أليمٌ. لأن ذلك لو قيل كذلك صار الوعيدُ مِن اللهِ تعالى ذكرُه خاصًّا لقائلِ القولِ الثاني، وهم القائلون: اللهُ ثالثُ ثلاثةٍ. ولم يَدْخُلْ فيهم القائلون: المسيحُ هو اللهُ. فعمَّ بالوعيدِ تعالى ذكرُه كلَّ كافرٍ، ليَعْلَمَ المخاطَبون بهذه الآياتِ أن وعيدَ اللهِ قد شمِل كِلا الفريقين من بني إسرائيلَ، ومَن كان مِن الكفارِ على مثلِ الذي هم عليه.

فإن قال قائلٌ: وإن كان الأمرُ على ما وصَفتَ، فعلى مَن عادت الهاءُ والميمُ اللتان في قولِه: ﴿مِنْهُمْ﴾؟ قيل: على بني إسرائيلَ.

فتأويلُ الكلامِ إذ كان الأمرُ على ما وَصفنا: وإن لم يَنْتَهِ هؤلاء الإسرائيليون عما يَقُولُون في اللهِ مِن عظيمِ القولِ، ليَمَسَّنَّ الذين يَقُولون منهم: إن المسيحَ هو اللهُ. والذين يَقُولون: إن الله ثالثُ ثلاثةٍ. وكلُّ كافرٍ سلَك سبيلَهم - عذابٌ أليمٌ


(١) في م: "الملكانية".
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "و".