للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جوابُه، فنعلمَ أنَّ القولَ في ذلك ما قلتَ؟

قيل: الدَّلالةُ على ذلك بَيِّنةٌ في قولِه جل ذكرُه: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾. وإن القومَ الذين ضرَب لهم الأمثالَ في الآيتيْن المتقدِّمتيْن - اللتين مثَّلَ ما عليه المنافقون مقيمون فيهما (١) بِمُوقِدِ النارِ وبالصَّيِّبِ من السماءِ على ما وصَف من ذلك قبلَ قولِه ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا﴾ - قد أنكَروا المثلَ، وقالوا: ﴿مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾. فأوضَحَ خطأَ قِيلِهم ذلك، وقبَّح لهم ما نطَقوا به وأخبرَهم بحكمِهم في قِيلِهم ما قالوا منه، وأنه ضلالٌ وفسوقٌ، وأن الصوابَ والهدَى ما قاله المؤمنون دونَ ما قالوه.

وأما تأويلُ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي﴾. فإن بعضَ المنسوبين إلى المعرفةِ بلغةِ العربِ كان يتأولُ معنى ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي﴾: إن اللهَ لا يخشَى أن يضربَ مثلًا. ويَستشهدُ على ذلك من قولِه بقولِ اللهِ جلَّ وعزَّ: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧]. ويَزْعُمُ أن معنى ذلك: وتستحيي الناسَ واللهُ أحقُّ أن تستحييَه. فيقولُ: الاستحياءُ بمعنى الخشيةِ، والخشيةُ بمعنى الاستحياءِ.

وأما معنى قولِه: ﴿أَنْ يَضْرِبَ﴾. فهو: أن يُبَيِّنَ ويصفَ. كما قال جلَّ ثناؤه: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [الروم: ٢٨]. بمعنى: وصَف لكم. وكما قال الكميتُ (٢):


(١) قوله: "فيهما" متعلق بقوله: "مثل" يعني الآيتين اللتين مثل فيهما - ما عليه المنافقون مقيمون - بموقد النار.
(٢) شعر الكميت بن زيد (مجموع) ٢/ ١٢٢.