ووصلوا الوصائلَ، وحَمَوا الحوامىَ، مثلُ عمرِو بن لُحَيٍّ وأشكالِه، ممن سنُّوا لأهلِ الشركِ السُّننَ الرديئةَ، وغيَّروا دينَ اللهِ دينَ الحقِّ، وأضافوا إلى اللهِ تعالى ذكرُه أنه الذي حرَّم ما حرَّموا، وأحلَّ ما أحلُّوا، افتراءً على اللهِ الكذبَ وهم يعلَمون، واختلاقًا عليه الإفكَ، وهم يَفهمُون (١)، فكذَّبهم الله تعالى ذكرُه في قيلِهم ذلك، وإضافتِهم إليه ما أضافوا، من تحليلِ ما أحلُّوا، وتحريمِ ما حرَّموا، فقال تعالى ذكرُه: ما جعَلتُ مِن بحيرةٍ، ولا سائبةٍ، ولكنَّ الكفارَ هم الذين يفعَلون ذلك، ويفترون على اللهِ الكذبَ.
وأن يقالَ: إن المعنيِّين بقولِه: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾: هم أتباعُ مَن سنَّ لهم هذه السننَ من جهلةِ المشركين، فهم لا شكَّ أنهم أكثر من الذين سنُّوا ذلك لهم، فوصَفهم اللهُ تعالى ذكرُه بأنهم لا يعقِلون؛ لأنهم لم يكونوا يعقِلون أن الذين سنُّوا لهم تلك السننَ، وأَخْبَروهم أنها من عندِ اللهِ، كَذبَةٌ في أخبارِهم أَفَكَةٌ، بل ظنُّوا أنهم فيما يقولون مُحِقُّون في أخبارِهم صادقون.
وإنما معنى الكلامِ: وأكثرُهم لا يعقِلون أن ذلك التحريمَ الذي حرَّمه هؤلاء المشركون، وأضافوه إلى الله تعالى كَذِبٌ وباطلٌ.
وهذا القولُ الذي قُلنا في ذلك نظيرُ قولِ الشَّعْبيِّ الذي ذكَرناه قبلُ، ولا معنى لقولِ مَن قال: عنَى بـ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أهلَ الكتابِ. وذلك أن النكيرَ في ابتداءِ الآيةِ من اللهِ تعالى على مشركي العربِ، فالختمُ بهم أَوْلَى من غيرِهم، إذ لم يكنْ عرَض في الكلامِ ما يُصرَفُ من أجلِه عنهم إلى غيرِهم. وبنحوِ ذلك كان يقولُ قتادةُ.
حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: