للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾. قال: كان الرجلُ إِذا أَسْلَم قالوا له: سفَّهتَ آباءَك وضلَّلتهم، وفعَلتَ وفعَلتَ، وجعَلتَ آباءَك كذا وكذا، كان ينبغِى لك أن تنصُرَهم، وتفعَلَ. فقال اللهُ تعالى ذكرُه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ (١).

وأولى هذه الأقوالِ وأصحُّ التأويلاتِ عندنا بتأويلِ هذه الآيةِ ما رُوِى عن أبي بكرٍ الصديقِ فيها، وهو: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾، الْزَموا العملَ بطاعةِ اللهِ، وبما أمَركم به، وانْتَهوا عما نهاكم اللهُ عنه، ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾. يقولُ: فإنه لا يضرُّكم ضلالُ مَن ضلَّ إذا أنتم لزِمتُم (٢) العملَ بطاعةِ اللهِ، وأدَّيتُم في من ضلَّ من الناسِ ما أَلْزَمكم اللهُ به فيه، مِن فرضِ الأمرِ بالمعروفِ، والنهى عن المنكرِ الذي يركَبُه أو يحاولُ ركوبَه، والأخذِ على يديه إذا رام ظلمًا لمسلمٍ أو مُعاهَدٍ، ومنَعه منه، فأبى النزوعَ عن ذلك، ولا ضَيْرَ عليكم في تمادِيه في غيِّه وضلالِه إذا أنتم اهتديتُم وأدَّيتم حقَّ اللهِ تعالى ذكرُه فيه.

وإنما قلنا: ذلك أولَى التأويلاتِ في ذلك بالصوابِ؛ لأن الله تعالى ذكرُه أمَر المؤمنين أن يقوموا بالقسطِ، ويتعاونوا على البرِّ والتقوَى، ومن القيامِ بالقسطِ الأخذُ على يدَى الظالِم، ومن التعاونِ على البرِّ والتقوى الأمرُ بالمعروف، وهذا مع ما تظاهَرتْ به الأخبارُ عن رسولِ اللهِ من أمرِه بالأمرِ بالمعروفِ والنهى عن المنكرِ. ولو كان للناسِ تركُ ذلك لم يكنْ للأمرِ به معنًى إلا في الحالِ التي رخَّص فيه رسولُ اللهِ تركَ ذلك، وهى حالُ العجزِ عن القيامِ به بالجوارحِ الظاهرةِ، فيكونُ


(١) ذكره في البحر المحيط ٤/ ٣٦ عن ابن زيد بنحوه.
(٢) في م: "رمتم".