للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيمانِهما، ثم ظُهِر على كذبِهما فيها، إنِ القومُ ادَّعَوْا فيما صحَّ أنه كان للميتِ دعوَى، مِن انتقالِ ملكٍ عنه إليهما، ببعضِ ما تَزولُ به الأملاكُ، مما يَكونُ اليمينُ فيها على ورثةِ الميتِ دونَ المدَّعَى، وتكونُ البينة فيها على المدَّعَى - وفسادِ ما خالف في هذه الآية ما (١) قلنا (٢) مِن التأويلِ.

وفيها أيضًا البيانُ الواضحُ على أن معنى الشهادةِ التي ذكَرَها اللهُ تعالى ذكرُه في أولِ هذه القصةِ، إنما هي اليمينُ، كما قال اللهُ تعالى ذكرُه في مواضعَ أُخَرَ: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: ٦]. فالشهادةُ في هذا الموضعِ معناها القسَمُ، مِن قولِ القائلِ: أَشْهَدُ باللهِ إنى (٣) لمن الصادقين. وكذلك معنى قولِه: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾. إنما هو: قسَمُ بينِكم، ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ﴾ أَن يُقْسِمَ ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ إن كانا اتُّمِنا (٤) على ما قال فارْتِيب بهما، أو اتُّمِن (٥) آخران من غير المؤمنين فاتُّهِما. وذلك أنّ الله تعالى ذكرُه لمَّا ذكَر نقلَ اليمينِ من اللذين ظُهِر على خيانتِهما إلى الآخرَين قال: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾. ومعلومٌ أنّ أولياءَ الميتِ المُدَّعِين قِبَلَ اللذين ظُهِر على خيانتِهما، غيرُ جائزٍ أن يكونا شُهداءَ بمعنى الشهادةِ التي يُؤْخَذُ بها في الحكمِ حقُّ مُدَّعًى عليه لمُدَّعٍ؛ لأنه لا يُعْلَمُ للهِ تعالى ذكرُه حكمٌ قضَى فيه لأحدٍ بدَعْواه ويمينِه على مُدَّعًى عليه، بغيرِ بينةٍ ولا إقرارٍ من المُدَّعَى عليه ولا برهانٍ.


(١) في م: "مما".
(٢) في ص، ت ١: "قبلنا".
(٣) في م: "إنه".
(٤) في م: "ائتمنا".
(٥) في م: "ائتمن".