للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكلامِ [قال اللهُ: يُضِلُّ اللهُ] (١) بالمثلِ الذي يضْربُه كثيرًا من أهلِ النفاقِ والكفرِ.

كما حَدَّثني موسى، قال: حدَّثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: حدَّثنا أسباطُ، عن السدِّيِّ في خبرٍ ذكَره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابنِ عباسٍ، وعن مُرَّةَ، عن ابنِ مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحابِ النبيِّ : ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا﴾: يعني المنافقين، ﴿وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾: يعني المؤمنين، فيزيدُ هؤلاء ضلالًا إلى ضلالِهم لتكذيبِهم بما قد علِموه حقًّا يقينًا من المثَلِ الذي ضرَبه اللهُ لِما ضرَبه له، وأنه لِما ضرَبه له موافقٌ، فذلك إضلالُ اللهِ إياهم به، ﴿وَيَهْدِي بِهِ﴾ - يعني بالمثلِ - كثيرًا من أهلِ الإيمانِ والتصديقِ، فيزيدهم هدًى إلى هداهم، وإيمانًا إلى إيمانِهم، لتصديقِهم بما قد علِموه حقًّا يقينًا أنه موافقٌ ما ضرَبه اللهُ له مثلًا، وإقرارِهم به، وذلك هدايةُ (٢) اللهِ لهم به (٣).

وقد زَعمَ بعضُهم أن ذلك خبرٌ عن قولِ (٤) المنافقين، كأنهم قالوا: ما أرادَ اللهُ بمَثَلٍ لا يعرفُه كلُّ أحدٍ، يُضِلُّ به هذا ويهدِي به هذا؟ ثم استؤنِف الكلامُ والخبرُ عن اللهِ، فقال اللهُ: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ وفي ما في سورةِ "المدثر" من قولِ اللهِ: ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [المدثر: ٣١] - ما ينبئُ عن أنه في سورةِ "البقرة" كذلك مبتدأٌ، أعني قولَه: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾.


(١) في م: "أن الله يضل".
(٢) بعده في ص، ر، م: "من".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٤٢ إلى المصنف عن ابن مسعود وناس من الصحابة. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٧٠ (٢٨٣) من طريق عمرو، عن أسباط، عن السدي من قوله، مقتصرا على أوله.
(٤) سقط من: م.