للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يقومَ، وأرْسَلْتُ إليه لَيَقُومَنَّ. قال: وكذلك قولُه: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ [يوسف: ٣٥]. قال: وهو في القرآنِ كثيرٌ، ألا تَرَى أنك لو قلتَ: بَدَا لهم أن يَسْجُنوه. لَكان صوابًا؟

وكان بعضُ نحويِّى البصرةِ يقولُ: نُصِبَت لامُ ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾؛ لأن معنى ﴿كَتَبَ﴾ القسمُ (١)، كأنه قال: واللهِ لَيَجْمَعَنَّكم.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن يكونَ قولُه: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾. غايةَ خبرٍ (٢)، وأن يكونَ قولُه: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾. خبرًا مبْتدَأً، ويَكونَ معني الكلامِ حينَئذٍ: لَيَجْمَعَنَّكم اللهُ أيُّها العادِلون باللهِ ليومِ القيامةِ الذي لا ريْبَ فيه؛ لِيَنْتَقِمَ منكم بكُفْرِكم به.

وإنما قلتُ: هذا القولُ أولى بالصوابِ مِن إعمالِ: ﴿كَتَبَ﴾. في: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾؛ لأن قولَه: ﴿كَتَبَ﴾. قد عمِل ﴿الرَّحْمَةَ﴾، فغيرُ جائزٍ وقد عمِل في ﴿الرَّحْمَة﴾ أَن يَعْمَلَ في: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾. لأنه لا يَتَعَدَّى إلى اثنين.

فإن قال قائلٌ: فما أنت قائلٌ في قراءةِ مَن قرَأَ: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ﴾ بفتحِ "أنّ"؟

قيل: إن ذلك إذا قُرِئ كذلك، فإن "أنّ" بيانٌ عن الرحمةِ وترجمةٌ عنها؛ لأن معنى الكلامِ: كتَب على نفسِه الرحمةَ أن يَرْحَمَ من عبادِه [من تاب] (٣) بعدَ اقْتِرافِ السُّوءِ بجَهالةٍ ويَعْفُوَ. والرحمةُ يُتَرجَمُ عنها ويُبَيَّنُ معناها بصفتِها، وليس مِن صفةِ


(١) سقط من النسخ، وأثبتها الشيخ شاكر هكذا: معنى "كتب" فَرض وأوجب، وهو بمعنى القسم.
(٢) سقط من: م.
(٣) زيادة يستقيم بها السياق، من معنى الآية.