للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخاسرون جمعُ خاسرٍ، والخاسرون؛ الناقصون أنفسَهم حظوظَها بمعصيتِهم اللهَ - من رحمتِه، كما يخسَرُ الرجلُ في تجارتِه بأن يوضَعَ من رأسِ مالِه في بيعِه (١).

فكذلك الكافرُ والمنافقُ خسِر بحِرْمانِ اللهِ إياه رحمَتَه التي خلَقها لعبادِه في القيامةِ أحوجَ ما كان إلى رحمتِه. يقالُ منه: خسِر الرجلُ يخسَرُ خُسْرًا وخُسرانًا وخَسارًا.

كما قال جريرُ بنُ عطيةَ (٢):

إن سَلِيطًا في الخَسارِ إنَّهْ … أولادُ قومٍ خُلِقوا أقِنَّهْ (٣)

يعني بقولهِ: في الخَسارِ. أي: فيما يوكِسُهم حظوظَهم من الشرفِ والكرمِ.

وقد قيل: إنَّ معنى ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾: أولئك هم الهالِكون. وقد يجوزُ أن يكونَ قائلُ ذلك أرادَ ما قلنا من هلاكِ الذي وصَف اللهُ صفَتَه بالصفةِ التي وصَفه بها في هذه الآيةِ، بحِرْمانِ اللهِ إياه ما حرَمه من رحمتِهِ بمعصِيتِه إياه وكفرِه به.

فحمَل تأويلَ الكلامِ على معناه دونَ البيانِ عن تأويلِ عينِ الكلمةِ بعينِها، فإن أهلَ التأويلِ ربما فعلوا ذلك لعللٍ كثيرةٍ تدعوهم إليه.

وقال بعضُهم في ذلك بما حُدِّثت به عن المنِجابِ بنِ الحارثِ، قال: حَدَّثَنَا بشرُ ابنُ عُمارةَ، عن أبي رَوقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كلُّ شيْءٍ نسَبه اللهُ إلى غيرِ أهلِ الإسلامِ من اسمٍ مثلَ خاسرٍ فإنما يعني به الكفرَ، وما نسَبه إلى أهلِ الإسلامِ فإنما يعني به الذَّنْبَ (٤).


(١) وُضع الرجل في تجارته - بالبناء للمجهولَ كعُنِىَ: خسر فيها. التاج (و ض ع).
(٢) ديوانه ٢/ ١٠١٧، والنقائض ص ٤.
(٣) أقنة جمع قن، وهو العبد، وهو جمع نادر. التاج (ق ن ن).
(٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٤٢ إلى المصنّف وابن أبي حاتم.