للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنهم يُكَذِّبونك قولًا، عِنادًا وحَسَدًا.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن يُقالَ: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما جماعةٌ مِن القرأةِ، ولكلِّ واحدةٍ منهما في الصحةِ مَخْرَجٌ مفهومٌ؛ وذلك أن المشركين لا شكَّ أنه كان منهم قومٌ يُكَذِّبون رسولَ اللهِ ويَدْفَعونه عما كان اللهُ تعالى خصَّه به مِن النبوةِ، فكان بعضُهم يقولُ: هو شاعرٌ. وبعضُهم يقولُ: هو كاهنٌ. وبعضُهم يقولُ: هو مجنونٌ. ويَنْفِى جميعُهم أن يَكونَ الذي أتاهم به مِن وحيِ السماءِ، ومن تنزيل ربِّ العالمين قولًا. وكان بعضُهم قد تبيَّن أمره، وعلِم صحةَ نبوتِه، وهو في ذلك يُعانِدُ ويَجْحَدُ نبوته حسدًا له وبَغْيًا.

فالقارئ: (فإنهم لا يُكْذِبونك). بمعنى. (١) أن الذين كانوا يَعْرِفون حقيقةَ نبوتِك، وصدْقَ قولِك فيما تقولُ، يَجْحَدون أن يَكونَ ما تتلوه عليهم مِن تنزيلِ اللهِ، ومِن عندِ اللهِ، قولًا، وهم يَعْلَمون أن ذلك مِن عندِ اللهِ علمًا صحيحًا - مُصِيبٌ؛ لما ذكَرْنا مِن أنه قد كان فيهم مِن هذه صفتُه.

وفى قولِ اللهِ تعالى في هذه السورةِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾. أوضحُ الدليلِ على أنه قد كان فيهم المعاندُ (٢) في جُحودِ نبوتِه ، مع علمٍ منه (٣) به وصحة نبوتِه.

وكذلك القارئ: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾. بمعنى (٤) أنهم لا يُكَذِّبون رسولَ اللهِ إلا عنادًا لا جهلًا بنبوته وصدقِ لَهْجتِه - مُصِيبٌ؛ لما ذكَرْنا مِن أنه


(١) في ص، س، ت ١، ت ٢، ت ٣: "معني"، وفى م: "يعنى به". والمثبت كما سيأتي في تأويل القراءة بعدها.
(٢) في م: "العناد".
(٣) في م: "منهم".
(٤) في م: "يعنى".