للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحقِّ، بُكْمٌ عن القيل به ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾. يعني: في ظلمة الكفر حائرًا (١) فيها، يقولُ: هو مُرْتَطِمٌ في ظلماتِ الكفرِ، لا يُبْصِرُ آيَاتِ اللَّهِ فَيَعْتَبِرَ بها ويَعْلَمَ أن الذي خلَقَه وأنْشَأَه، فدبَّره [أحكم تدبير] (٢)، وقدَّره أحسن تقديرٍ، وأعطاه القوةَ، وصحَّح له آلةً جسمِهِ لم يَخْلُقُه عَبثًا، ولم يتركه سُدًى، ولم يُعْطِه ما أعطاه من الآلات إلا لاستعمالها في طاعتِه وما يُرْضِيه، دونَ معصيتِه وما يُسْخِطُه، فهو لحيرتِه في ظلماتِ الكفر، وترَدُّدِه في غَمَراتِها، غافلٌ عما الله قد أثْبَت له في أمِّ الكتابِ، وما هو به فاعلٌ يومَ يُحْشَرُ إليه مع سائر الأممِ. ثم أخْبَر تعالى ذكرُه أنه المُضِلُّ مَن يَشَاءُ إضلالَه مِن خلقِه عن الإيمانِ إلى الكفرِ، والهادى إلى الصراطِ المستقيم منهم مَن أحَبَّ هدايتَه، فمُوَفِّقُه بفضلِه وطَوْلِه للإيمانِ به، وترك الكفر به وبرسلِه، وما جاءت به أنبياؤُه، وأنه لا يَهْتَدِى مِن خلقه أحدٌ إلا من سبَق له في أمِّ الكتابِ السعادةُ، ولا يَضِلُّ منهم أحدٌ إلا مَن سبَق له فيها الشَّقاءُ، وأَنَّ بيده الخيرَ كلَّه، وإليه الفضل كلَّه، له الخلق والأمرُ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال قتادةُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة: ﴿صُمٌّ وَبُكْمٌ﴾: هذا مَثَلُ الكافِرِ أَصَمُّ أبْكَمُ، لا يُبْصِرُ هدًى، ولا يَنْتَفِعُ به، صمَّ عن الحقِّ، في الظلماتِ لا يَسْتَطِيعُ منها خروجًا (٣)، مُتَسكِّعٌ (٤) فيها (٥).


(١) في م: "حائر".
(٢) في م: "وأحكم تدبيره".
(٣) بعده في م: "له".
(٤) متسكع: متحير. القاموس المحيط (س ك ع).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٢٨٦، ١٢٨٧ (٧٢٦٣، ٧٢٦٤) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١١ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.