للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقالُ منه: صدَف فلانٌ عنى بوجهِه، فهو يَصْدِفُ صُدوفًا وصَدْفًا. أي: عدَل وأعْرَض. ومنه قول ابن الرِّقَاع (١):

إذا ذكَرْنَ حديثًا قُلْنَ أَحْسَنَه … وهُنَّ عن كلِّ سُوءٍ يُتَّقَى صُدُفُ (٢)

وقال لبيدٌ (٣):

يُرْوِى قَوامِحَ (٤) قبلَ الليل صادِفةً … أشباءَ جِنٍّ عليها الرَّيْطُ (٥) والأُزُرُ

فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾. فوحَّد الهاءَ، وقد مضَى الذكرُ قبلُ بالجمعِ، فقال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾؟

قيل: جائزٌ أن تَكونَ الهاء عائدةً على "السمع"، فتكونَ موحَّدةً لتوحيد "السمعِ"، وجائزٌ أن تَكونَ مَعْنيًّا بها: مَن إله غيرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بما أَخَذ منكم؛ مِن السمع والأبصارِ والأفئدةِ؟ فتكونَ مُوَحَّدةً لتوحيدِ (ما). والعربُ تَفْعَلُ ذلك إذا كنَتْ عن الأفعالِ وحَّدَتِ الكِنايةَ، وإن كثر ما يُكْنَى بها عنه مِن الأفاعيلِ، كقولهم: إقبالُك وإدبارُك يُعْجِبُني.

وقد قيل: إن الهاء التي في ﴿بِهِ﴾ كنايةٌ عن الهُدَى.

وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: ﴿يَصْدِفُونَ﴾. قال أهلُ التأويل


(١) تفسير القرطبي ٦/ ٤٢٨.
(٢) صدف، جمع صدوف، وهى المرأة تعرض وجهها عليك ثم تصدف. تاج العروس (ص د ف).
(٣) شرح ديوان لبيد ص ٦٦.
(٤) قوامح، جمع قامح، وهو التارك للشرب. ينظر التاج (ق م ح).
(٥) الربط، جمع ريطة، وهى كل ملاءة غير ذات لفقين، أي لم يضم بعضه ببعض بخيط أو نحوه. التاج (ر ي ط).