يَعْبُدون، ألَا تَرَى أنه قال: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ [غافر: ٤٣]. يعني: تَعْبُدون (١).
والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يقالَ: إن اللهَ تعالى ذكرُه نَهَى نبيَّه محمدًا ﷺ أن يَطْرُدَ قومًا كانوا يَدْعُون ربَّهم بالغداةِ والعشيِّ. والدعاءُ للهِ يكونُ بذكرِه وتمجيدِه والثناءِ عليه قولًا وكلامًا، وقد يكونُ بالعملِ له بالجوارحِ الأعمالَ التي كان عليهم فَرْضُها، وغيرَها مِن النوافلِ التي تُرْضَى، والعاملُ له عابدُه بما هو عاملٌ له، وقد يجوزُ أن يكون القومُ كانوا جامِعين هذه المعانيَ كلَّها، فوصَفَهم اللهُ بذلك، بأنهم يَدْعُونه بالغداةِ والعشيِّ؛ لأن اللهَ قد سَمَّى العبادةَ دعاءً، فقال تعالى ذكرُه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر:٦٠]. وقد يَجوزُ أن يَكونَ ذلك على خاصٍّ مِن الدعاءِ.
ولا قولَ أولى بذلك بالصحةِ مِن وصْفِ القومِ بما وصَفَهم اللهُ به، مِن أنهم كانوا يَدْعُون ربَّهم بالغَداةِ والعَشِيِّ، فيُعَمُّون بالصفةِ التي وصَفَهم بها ربُّهم، ولا يُخَصُّون منها بشيءٍ دونَ شيءٍ.
فتأويلُ الكلامِ إذن: يا محمدُ، أَنْذِرْ بالقرآنِ الذي أَنْزَلْتُه إليك، الذين يَعْلَمون أنهم إلى ربِّهم مَحْشُورون، فهم مِن خوفِ وُرودِهم على اللهِ الذي لا شَفيعَ لهم مِن دونِه ولا نَصيرَ، في العملِ له دائمون، إذ أَعْرَض عن إنذارِك واسْتماعِ ما أَنْزَل اللهُ عليك المُكذِّبون باللهِ واليومِ الآخرِ من قومِك؛ اسْتِكبارًا على اللهِ. ولا تَطْرُدْهم ولا تُقْصِهم فتَكونَ ممَّن وضَع الإقْصاءَ في غيرِ موضعِه، فأَقْصَى وطرَد مَن لم يَكُنْ له طردُه وإقْصاؤُه، وقرَّب مَن لم يَكُنْ له تقديمُه بقُرْبِه وإدْناؤُه، فإن الذين نهَيْتُك عن
(١) ينظر البحر المحيط ٤/ ١٣٦، والآية المذكورة لا يستقيم بها الاستدلال، ولعله أراد الآية (٦٦) من سورة غافر: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.