للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوقِهم، أو من تحتِ أرجلهم، ولا يَلْبِسَ أمتَه شِيَعًا، ويُذِيقَ بعضَهم بأسَ بعضٍ، كما أذاق بني إسرائيلَ، فهبَط إليه جبريلُ ﵇، فقال: يا محمدُ، إنك سأَلْتَ ربَّك أربعًا، فأعْطاك اثنتين ومنَعَك اثنتين؛ لن يَأْتِيَهم عذابٌ من فوقِهم ولا مِن تحتِ أرجلِهم يَسْتَأْصِلُهم، فإنهما عذابان لكلِّ أمةٍ اسْتَجْمعت (١) على تكذيبِ نبيِّها وردِّ كتابِ ربِّها، ولكنهم يَلْبِسُهم شِيَعًا ويُذيقُ بعضَهم بأسَ بعضٍ، وهذان عذابان لأهلِ الإقرارِ بالكتبِ والتصديقِ بالأنبياءِ، ولكن يُعَذَّبون بذنوبِهم، وأوْحَى إليه: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾. يقولُ: مِن أَمتِك ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٤٢]. من العذاب وأنت حيٌّ؛ ﴿فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ﴾ [الزخرف: ٤٢]. فقام نبيُّ اللهِ ﷺ، فراجَع ربَّه، فقال: "أَيُّ مُصيبَةٍ أَشْدُّ مِن أن أَرَى أمتي يُعَذِّبُ بعضُها بعضًا". وأَوْحَى إليه: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ١ - ٣]. فأَعْلَمه أن أُمَّتَه لم تُخَصَّ دونَ الأممِ بالفتنِ، وأنها ستُبْتَلَى كما ابْتُلِيَتِ الأممُ، ثم أَنْزَل عليه: ﴿قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٩٣، ٩٤].

فتَعَوَّذ نبيُّ اللهِ فأعاذه اللهُ، لم يَرَ مِن أمتِه إلا الجماعةَ والأُلفةَ والطاعةَ، ثم أَنْزَل عليه آيةً حذَّر فيها أصحابَه الفتنةَ، فَأَخْبَرَه أنه إنما يُخَصُّ بها ناسٌ منهم دونَ ناسٍ، فقال: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: ٢٥]. فخَصَّ بها أقوامًا من أصحابِ محمدٍ ﷺ بعدَه، وعصَم بها أقوامًا (٢).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن أبي جعفر، عن الربيعِ


(١) في م: "اجتمعت".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١٩ إلى المصنف.