للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلَقكم ورزَقكم، وهو القادرُ على نفعِكم وضَرِّكم، في إشراكِكم في عبادتِكم إياه ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾. يعني: ما لم يُعْطِكم على إشراكِكم إياه في عبادتِه حُجَّةً، ولم يَضَعْ لكم عليه بُرْهانًا، ولم يَجْعَلْ لكم به عُذْرًا، ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ﴾. يقولُ: أنا أَحَقُّ بالأمنِ مِن عاقبةِ عبادتي ربي مُخْلِصًا له العبادةَ، حنيفًا له ديني، بَريئًا من عبادةِ الأوثانِ والأصنامِ، أم أنتم الذين تَعْبُدون مِن دونِ اللهِ أصنامًا لم يَجْعَلِ اللهُ لكم بعبادتِكم إياها برهانًا ولا حجةً، ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؟ يقولُ: إن كنتم تَعْلَمون صدقَ ما أَقولُ، وحقيقةَ ما أَحْتَجُّ به عليكم، فقولوا وأخْبِروني: أيُّ الفريقَيْن أحقُّ بالأمنِ؟

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك كان محمدُ بنُ إسحاقَ يقولُ فيما حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: حدَّثنا سلمةُ، قال: قال محمدُ بنُ إسحاقَ في قولِه: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ﴾. يقولُ: كيف أخافُ وَثَنًا تَعْبُدون مِن دونِ اللهِ لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ، ولا تَخافُون أنتم الذي يَضُرُّ ويَنْفَعُ، وقد جَعَلْتُم معه شُركاءَ لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ؟ ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. أي: بالأمنِ من عذابِ اللهِ في الدنيا والآخرةِ، ألذي يَعْبُدُ الذي بيدِه الضرُّ والنفعُ، أم الذي يَعْبُدُ ما لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ؟ يَضْرِبُ لهم الأمثالَ، ويُصَرِّفُ لهم العِبَرَ؛ ليَعْلَموا أن اللهَ هو أحقُّ أن يُخافَ ويُعْبَدَ مما يَعْبُدُون مِن دونِه (١).

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ، قال: أفْلَج (٢) اللهُ إبراهيمَ حينَ خَاصَمَهم، فقال: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٣١، ١٣٣٢ (٧٥٣٥، ٧٥٣٦، ٧٥٤٠) من طريق سلمة به. وأخرج المصنف آخره في تاريخه ١/ ٢٤٠ عن محمد بن حميد به ضمن الأثر المتقدم في ص ٣٥٩.
(٢) أفلجه على خصمه: غلَّبه وفضَّله. اللسان (ف ل ج).