للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد غَشِيَتْهم سَكَراتُ الموتِ، ونزَل بهم أمرُ اللهِ، وحان فَناءُ آجالِهم، والملائكةُ باسِطو أيديهم، يَضْرِبون وجوهَهم وأدبارَهم، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ [محمد: ٢٧، ٢٨]. يقولون لهم: أخْرِجوا أنفسَكم.

والغَمَراتُ جمعُ غَمْرةٍ، وغمرةُ كلِّ شيءٍ كثرتُه ومعظمُه، وأصلُه الشيءُ الذي يَغْمُرُ الأشياءَ فيُغطِّيها، ومنه قولُ الشاعرِ (١):

وهل يُنْجِي مِن الغَمَراتِ إلا … برَاكاءُ (٢) القِتالِ أو الفِرارُ

ورُوِي عن ابن عباسٍ في ذلك ما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، قال: قال ابنُ عباسٍ قولَه: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾. قال: سَكَراتِ الموتِ (٣).

حُدِّثْتُ عن الحسينِ بن الفرجِ، قال: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ، قال: ثنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، قال: سَمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: ﴿فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾: يعني: سَكَراتِ الموتِ (٤).

وأما "بسطُ الملائكةِ أيديَها (٥) "، فإنه مدُّها.

ثم اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في سببِ بسطِها أيديَها عندَ ذلك؛ فقال بعضُهم بنحوِ الذي قلنا في ذلك.


(١) هو بشر بن أبي خازم الأسدي، والبيت في ديوانه ص ٧٩.
(٢) البراكاء، بفتح الباء وضمها: الثبات في الحرب والجد، وأصله من البروك. تاج العروس (ب ر ك).
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٢ إلى المصنف وابن المنذر وأبي الشيخ.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٤٧ (٧٦٣١) من طريق أبي معاذ به.
(٥) في م، ت ٢، ت ٣: "أيديهم".