للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الدنيا.

واخْتَلَفَت القرأةُ في قولِه: ﴿بَيْنَكُمْ﴾؛ فقرَأَتْه عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ نصبًا (١)، بمعني: لقد تقَطَّع ما بينَكم.

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ مكةَ والعراقَيْن (٢): (لقد تَّقَطَّع بينُكم) رفعًا (٣)، بمعنى: لقد تقَطَّع وصلُكم.

والصوابُ مِن القولِ عندي في ذلك أن يُقالَ: إنهما قراءتان مَشْهورتان باتفاقِ المعنى، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمُصيبٌ الصوابَ، وذلك أن العربَ قد تَنْصِبُ "بينَ" في موضعِ الاسمِ، ذُكِر سماعًا منها: أتاني (٤) نحوَك ودونَك وسَواءَك. نصبًا في موضعِ الرفعِ، وقد ذُكِر عنها سماعًا الرفعُ في "بينَ" إذا كان الفعلُ لها، وجُعِلَت ١ سمًا، ويُنشَدُ بيتُ مُهَلْهِلٍ (٥):

كأنَّ رِماحَهم أَشْطانُ بئرٍ … بعيدٍ بينُ جالَيْها (٦) جَرُورٍ (٧)

برفعِ "بين" إذ كانت اسمًا، غيرَ أن الأغلبَ عليهم في كلامِهم النصبُ فيها في حالِ كونِها صفةً، وفي حالِ كونِها اسمًا.


(١) هي قراءة نافع وأبو جعفر المدنيان والكسائي وحفص. النشر ٢/ ١٩٥.
(٢) في ف، م: "العراقيين".
(٣) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحمزة وأبي بكر ويعقوب وخلف العاشر. ينظر النشر ٢/ ١٩٥.
(٤) في م: "إيابي". وينظر معاني القرآن للفراء ١/ ٣٤٥.
(٥) هو مهلهل بن ربيعة، والبيت في أمالي القالي ٢/ ١٣٢، والمحتسب لابن جني ٢/ ١٩٠.
(٦) الأشطان: الحبال، واحدها شطن، والبئر هاهنا: الهواء الذي مِن الجال إلى الجال. وجال البئر وجولها: ناحيتها وما يحبس الماء منها. الأمالي ٢/ ١٣٢، ١٣٣.
(٧) الجرور من الآبار: البعيدة القعر. وقال الأصمعي: بئر جرور، وهي التي يستقي منها على بعير، وإنما قيل لها ذلك لأن دلوها تجر على شفيرها لبعد قعرها. اللسان (ج ر ر).