للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾؛ فقرَأَت ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ والكوفةِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ (١) بمعنى: فمنهم مَن استَقَرَّه اللهُ في مقَرَّه (٢) فهو مستقَرٌّ، ومنهم من اسْتَوْدَعه اللهُ فيما اسْتَوْدَعه فيه فهو مستودَعٌ فيه.

وقرَأ ذلك بعضُ أهلِ المدينةِ وبعضُ أهلِ البصرةِ: (فمستقِرٌّ) بكسرِ القافِ (٣)، بمعنى: فمنهم مَن اسْتَقَرَّ في مقَرِّه، فهو مستقِرٌّ فيه (٤).

وأولى القراءتين بالصوابِ عندي - وإن كان لكِلَيْهما عندي وجهٌ صحيحٌ - ﴿فَمُسْتَقَرٌّ﴾ بمعنى: اسْتَقَرَّه اللهُ في مستقَرِّه؛ ليَأْتَلِفَ المعنى فيه وفي "المستودَعِ"، في أن كلَّ واحدٍ منهما لم يُسَمَّ فاعلُه، وفي إضافةِ الخبرِ بذلك إلى اللهِ في أنه المستقِرُّ هذا والمستودِعُ هذا. وذلك أن الجميعَ مُجْمِعون على قراءةِ قولِه: ﴿وَمُسْتَوْدَعٌ﴾. بفتحِ الدالِ على وجهِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه، فإجْراءُ الأولِ - أعنِي قولَه: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ﴾ - عليه، أشبهُ مِن عُدُولِه عنه.

وأما قولُه: ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾. يقولُ تعالى: قد بيَّنا الحُجَجَ، وميَّزْنا الأدلةَ والأعلامَ، وأحْكَمْناها لقومٍ يَفْقَهون مواقعَ الحججِ، ومواضعَ العِبَرِ، ويفْهَمون الآياتِ والذكرَ، فإنهم إذا اعْتَبَروا بما نبَّهتُهم عليه مِن إنشائي مِن نفسٍ واحدةٍ ما عايَنوا من البشرِ، وخلْقي ما خَلَقْتُ منها، مِن عجائبِ الألوانِ والصورِ - علِموا أن ذلك [مِن فعلِ مَن ليس] (٥) له مِثْلٌ ولا شَرِيكٌ، فيُشْرِكوه في عبادتِهم إياه.


(١) وهي قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف ورويس. النشر ٢/ ١٩٦.
(٢) في ت ١، س، ف: "مقبره".
(٣) وهي قراءة: ابن كثير وأبي عمرو وروح. النشر ٢/ ١٩٦.
(٤) في م: "به".
(٥) في ص، ف: "ليس من فعل من".