فيقالُ لهم: ألستم لم تَعْلَموا فيما شاهدْتُم وعايَنْتُم موصوفًا بالتدبيرِ والفعلِ إلا ذا لونٍ، وقد علِمْتُموه موصوفًا بالتدبيرِ لا ذا لونٍ؟ فإن قالوا: نعم. لا يَجِدون مِن الإقرارِ بذلك بُدًّا، إلا أن يَكْذِبوا فيَزْعُموا أنهم قد رأَوْا وعايَنوا موصوفًا بالتدبيرِ والفعلِ غيرَ ذي لونٍ، فيُكَلَّفوا بيانَ ذلك، ولا سبيلَ إليه.
فيُقالُ لهم: فإذ كان ذلك كذلك، فما أنْكَرْتُم أَن تَكونَ الأبصارُ فيما شاهَدْتُم وعايَنْتُم لم تَجِدوها تُدْرِكُ إلا الألوانَ، كما لم تَجِدوا أنفسَكم تَعْلَمُ موصوفًا بالتدبيرِ إلا ذا لونٍ، وقد وجَدْتُموها علِمَتْه موصوفًا بالتدبيرِ غيرَ ذي لونٍ. ثم يُسْأَلُون الفرقَ بينَ ذلك، فلن يقولوا في أحدِهما شيئًا إلا أُلْزِموا في الآخرِ مثلَه.
ولأهلِ هذه المقالةِ مسائلُ فيها تَلْبيسٌ، كرِهْنا ذكرَها وإطالةَ الكتابِ بها وبالجوابِ عنها، إذ لم يَكُنْ قَصْدُنا في كتابِنا هذا قصدَ الكشفِ عن تَمْويهاتِهم، بل قصْدُنا فيه البيانُ عن تأويلِ آيِ الفُرْقانِ، ولكنا ذكَرْنا القدرَ الذي ذكَرْنا؛ ليَعْلَمَ الناظرُ في كتابِنا هذا أنهم لا يَرْجِعون من قولِهم إلا إلى ما لبَس عليهم الشيطانُ، مما يَسْهُلُ على أهلِ الحقِّ البيانُ عن فسادِه، وأنهم لا يَرْجِعون في قولِهم إلى آيةٍ مِن التنزيلِ مُحْكَمةٍ، ولا روايةٍ عن رسولِ اللهِ ﷺ صحيحةٍ ولا سَقيمةٍ، فهم في الظُّلماتِ يَخْبِطون، وفي العَمْياءِ يَتَردَّدون، نَعوذُ باللهِ من الحَيْرةِ والضَّلالةِ.
وأما قولُه: ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾. فإنه يقولُ: واللهُ تعالى ذكرُه المتيسِّرُ (١) له من إدراكِ الأبصارِ، والمتأتِّي له مِن الإحاطةِ بها رؤيةُ ما يَعْسُرُ على الأبصارِ؛ مِن إدراكِها إياه، وإحاطتِها به، ويَتَعَذَّرُ عليها، ﴿الْخَبِيرُ﴾. يقولُ: العليمُ بخلقِه وأبصارِهم، والسببِ الذي له تعَذَّر عليها إدراكُه، فلطَف بقدرتِه، فهيَّأ