للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدنيا، فلا يُؤْمنون كما فعَلْنا بهم ذلك فلم يُؤْمِنوا في الدنيا. قالوا: وذلك نظيرُ قولِه: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨].

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: أخْبَر اللهُ سبحانَه ما العبادُ قائلون قبلَ أن يَقولوه، وعملُهم قبلَ أن يَعْمَلوه. قال: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤]، ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: ٥٦ - ٥٨]. يقولُ: مِن المهتدين. فأَخْبَر اللهُ سبحانَه، أنهم لو رُدُّوا [لم يَقْدِروا على الهُدَى، وقال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا] (١) لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾. وقال: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. قال: لو رُدُّوا إلى الدنيا لَحِيل بينَهم وبينَ الهدى، كما حُلْنا بينَهم وبينَه أولَ مرةٍ وهم في الدنيا (٢).

وأولى التأويلاتِ في ذلك عندي بالصوابِ أن يقالَ: إن اللهَ جلَّ ثناؤُه أخْبَر عن هؤلاء الذين أقْسَموا باللهِ جهدَ أَيْمانِهم: لَئن جاءَتهم آيةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بها. أنه يُقَلِّبُ أفئدتَهم وأبصارَهم ويُصَرِّفُها كيف شاء، وأن ذلك بيدِه، يُقِيمُه إذا شاء، ويُزِيغُه إذا أراد، وأن قولَه: ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. دليلٌ على محذوفٍ مِن الكلامِ، وأن قولَه: ﴿كَمَا﴾. تشبيهُ ما بعدَه بشيءٍ قبلَه.


(١) سقط من: م، وفي ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "على الهدى وقال ولو ردوا". وفي ف: "على الهدى وقالوا ولو ردوا" والمثبت من نص الأثر، كما سيذكره المصنف في سورة الزمر.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٣٢ إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأخرج آخره ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٦٩ (٧٧٧٥) من طريق أبي صالح به.