للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمانِ (١).

وأولى القولين في ذلك بالصوابِ قولُ ابنِ عباسٍ؛ لأن اللهَ جلَّ ثناؤُه عمَّ بقولِه: ﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ القومَ الذين تقدَّم ذكرُهم في قولِه: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾ [الأنعام: ١٠٩].

وقد يجوزُ أن يَكونَ الذين سأَلوا الآيةَ كانوا هم المستهزئين الذين قال ابنُ جريجٍ: إنهم عُنُوا بهذه الآيةِ، ولكن لا دلالةَ في ظاهرِ التنزيلِ على ذلك، ولا خبرَ تَقومُ به حجةٌ بأن ذلك كذلك، والخبرُ مِن اللهِ خارجٌ مَخْرجَ العمومِ، فالقولُ بأن ذلك عُنِي به أهلُ الشقاء منهم أولى؛ لما وصَفْنا.

واخْتَلَفَت القَرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾؛ فقرأَتْه قرأةُ أهلِ المدينةِ: (قِبَلًا) بكسرِ القافِ وفتحِ الباءِ (٢)، بمعنى: مُعاينةً، مِن قولِ القائلِ: لقِيتُه قِبَلًا، أي: مُعاينةً ومُجاهَرَةً.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين والبصريين: ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ بضمِّ القافِ والباءِ (٣).

وإذا قُرِئ كذلك كان له مِن التأويلِ ثلاثةُ أوجهٍ: أحدُها، أن يَكونَ القُبُلُ جمعَ قَبِيلٍ، كما الرُّغفُ التي هي جمعُ رَغيفٍ، والقُضُبُ التي هي جمعُ قَضيبٍ، ويَكونَ القُبُلُ الضُّمَناءَ والكُفَلاءَ، وإذا كان ذلك معناه، كان تأويلُ الكلامِ: وحشَرْنا عليهم كلَّ شيءٍ كُفَلاءَ يَكْفُلون لهم بأن الذي نَعِدُهم على إيمانِهم


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٧١ (٧٧٨٥) من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٩ إلى ابن المنذر.
(٢) هي قراءة نافع وأبي جعفر وابن عامر. النشر ٢/ ١٩٦.
(٣) وهي قراءة ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف. المصدر السابق.