للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: جعَل عكرمةُ والسديُّ في تأويلِهما هذا الذي ذكَرْتُ عنهما، عدوَّ الأنبياء الذين ذكَرَهم اللهُ في قولِه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ أولادَ إبليسَ دونَ أولادِ آدمَ، ودونَ الجنِّ، وجعَل الموصوفين بأن بعضَهم يُوحِي إلى بعضٍ زُحْرفَ القولِ غُرورًا ولدَ إبليسَ، وأن مع ابنِ آدمَ مِن ولدِ إبليسَ مَن يُوحِي إِلى مَن مع الجنِّ من ولدِه زُخْرفَ القولِ غُرورًا.

وليس لهذا التأويلِ وجهٌ مفهومٌ؛ لأن اللهَ جعَل إبليسَ وولدَه أعداءَ ابنِ آدمَ، فكلُّ ولدِه لكلِّ ولدِه عدوٌّ، وقد خصَّ اللهُ في هذه الآيةِ الخبرَ عن الأنبياءِ أنه جعَل لهم مِن الشياطينِ أعداءً، فلو كان معنيًّا بذلك الشياطينُ الذين ذكَرَهم السديُّ، الذين من هم ولدُ إبليسَ، لم يَكُنْ لخصوصِ الأنبياءِ بالخبرِ عنهم أنه جعَل لهم الشياطينَ أعداءً، وجهٌ (١)، وقد جعَل مِن (١) ذلك لأعْدَى أعْدائِه مثلَ الذي جعَل لهم، ولكنَّ ذلك كالذي قلْنا، مِن أنه معنيٌّ به أنه جعَل مَرَدةَ الإنسِ والجنِّ لكلِّ نبيٍّ عدوًّا يُوحِي بعضُهم إلى بعضٍ مِن القولِ ما يُؤْذِيهم به.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك جاء الخبرُ عن رسولِ اللهِ .

حدَّثني المثنى، قال: ثنا الحجاجُ بنُ المِنْهالِ، قال: ثنا حمادٌ، عن مَعْبَدِ (٢) بنِ هلالٍ، قال: ثني رجلٌ مِن أهلِ دمشقَ، عن عوفِ بنِ مالكٍ، عن أبي ذرٍّ أن رسولَ اللهِ قال: "يا أبا ذرٍّ، هل تَعَوَّذْتَ باللهِ مِن شَرِّ شياطينِ الإنسِ والجنِّ؟ " قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، هل للإنسِ من شياطينَ؟ قال: "نعم" (٣).


(١) سقط من: ص، ت ١، س، ف.
(٢) في النسخ: "حميد"، والمثبت من مصادر التخريج. وينظر تهذيب الكمال ٢٨/ ٢٤٠.
(٣) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده -كما في الإتحاف بذيل المطالب (٥١٢٨) - والحارث في مسنده (٤٨ - بغية)، وأبو يعلى في مسنده -كما في الإتحاف (٥١٣١) - من طريق حماد به مطولا. وينظر مسند الطيالسي (٤٨٠).