للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : يا محمدُ، إن ربَّك الذي نهاك أن تُطِيعَ هؤلاء العادلين باللهِ الأوثانَ؛ لئلا يُضِلوك عن سبيلِه، هو أعلمُ منك ومِن جميعِ خلقِه، أيَّ خلقِه يَضِلُّ عن سبيلِه بزُخْرفِ القولِ الذي يُوحِي الشياطينُ بعضُهم إلى بعضٍ، فيَصْدِفُ عن طاعتِه واتباعِ ما أمر به، ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾. يقولُ: وهو أعلمُ أيضًا منك ومنهم بمَن كان على استقامةٍ وسَدادٍ، لا يَخْفَى عليه منهم أحدٌ. يقولُ: واتَّبِعْ يا محمدُ ما أمَرْتُك به، وانْتَهِ عما نهَيْتُك عنه مِن طاعةِ مَن نهَيْتُك عن طاعتِه، فإني أعلمُ بالهادي والمُضِلِّ مِن خلْقي منك.

واخْتَلَف أهلُ العربيةِ في موضعِ "مَن" في قولِه: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ﴾؛ فقال بعضُ نحويي البصرةِ (١): موضعُه خفضٌ بنيةِ الباءِ. قال: ومعنى الكلامِ: إن ربَّك هو أعلمُ بمَن يَضِلُّ.

وقال بعضُ نحويي الكوفةِ (٢): موضعُه رفعٌ؛ لأنه بمعنى "أيٍّ"، والرافعُ له "يَضِلُّ".

والصوابُ مِن القولِ في ذلك: أنه رُفِع بـ "يَضِلُّ"، وهو في معنى "أيٍّ"، وغيرُ معلومٍ في كلامِ العربِ اسمٌ مخفوضٌ بغيرِ خافضٍ، فيَكونَ هذا له نظيرًا.

وقد زعَم بعضُهم أن قولَه: ﴿أَعْلَمُ﴾ في هذا الموضعِ بمعنى: يَعْلَمُ، واستشهد لقيله ببيتِ حاتمٍ الطائيِّ (٣).

فحالَفَت طَيِّئَ مِن دُونِنا حِلِفًا … واللهُ أعلمُ ما كُنّا لهم خُذُلَا


(١) هو الأخفش كما تقدم في ص ٤٣١.
(٢) هو الفراء في معاني القرآن ١/ ٣٥٢.
(٣) تفسير القرطبي ٧/ ٧٢.