وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ: أن يقالَ: إن اللهَ أخْبَر أن الشياطينَ يُوحُون إلى أوليائِهم لِيُجِادلوا المؤمنين في تحريمِهم أكلَ الميتةِ بما ذكَرْنا مِن جِدالِهم إياهم، وجائزٌ أن يكون المُوحُون كانوا شياطينَ الإنسِ يُوحُون إلى أوليائِهم منهم، وجائزٌ أن يَكونوا شياطينَ الجنِّ أَوْحَوْا إلى أوليائِهم مِن الإنسِ، وجائزٌ أن يكونَ الجِنْسان كلاهما تَعاوَنا على ذلك، كما أخْبَر اللهُ عنهما في الآيةِ الأخرى التي يقولُ فيها: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢]. بل ذلك الأغلبُ مِن تأويلِه عندي؛ لأن اللهَ أخْبَر نبيَّه أنه جعَل له أعداءً مِن شياطينِ الجنِّ والإنسِ، كما جعَل لأنبيائِه مِن قبلِه، يُوحِي بعضُهم إلى بعضٍ المُزَيَّنَ مِن الأقوالِ الباطلةِ، ثم أعْلَمه أن أولئك الشياطينَ يُوحُون إلى أوليائِهم مِن الإنسِ ليُجادِلوه ومَن تبِعه مِن المؤمنين فيما حرَّم اللهُ مِن الميتةِ عليهم.
واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في الذي عنَى الله جلَّ ثناؤُه بنهيِه عن أكلِه مما لم يُذْكَرِ اسمُ اللهِ عليه؛ فقال بعضُهم: هو ذبائحُ كانت العربُ تَذْبَحُها لآلهتِها.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى ومحمدُ بنُ بشارٍ، قالا: ثنا أبو عاصمٍ، قال: أخْبَرنا ابنُ جُريجٍ، قال: قلتُ لعطاءٍ: ما قولُه: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾؟ قَالَ: يَأْمُرُ بذكرِ اسمِه على الشرابِ والطعامِ والذبحِ. قلتُ لعطاءٍ: فما قولُه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا
(١) أخرجه أبو داود (٢٨١٩)، والطبراني (١٢٢٩٥)، والبيهقي ٩/ ٢٤٠ من طريق عمران بن عيينة به، وأخرجه الترمذي (٣٠٦٩) من طريق عطاء بن السائب به.