للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمدِ بنِ سِيرينَ، عن عبدِ اللهِ بنِ يزيدَ الخَطْميِّ، قال: كُلوا مِن ذبائحِ أهلِ الكتابِ والمسلمين، ولا تَأْكُلوا مما لم يُذْكَرِ اسمُ اللهِ عليه (١).

حدَّثنا ابنُ وكيعٍ، قال: ثنا يزيدُ بن هارونَ، عن أشعثَ، عن ابنِ سِيرينَ، عن عبدِ اللهِ بنِ يزيدَ، قال: كنتُ أَجْلِسُ إليه في حَلقَةٍ (٢)، فكان يَجْلِسُ فيها ناسٌ مِن الأنصارِ هو رأسُهم، فإذا جاء سائلٌ فإنما يَسْأَلُه ويَسْكُتون. قال: فجاءه رجلٌ فسأَله فقال: رجلٌ ذبَح فنسِي أن يُسَمِّيَ؟ فتلا هذه الآيةَ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ حتى فرَغ منها.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يقالَ: إن اللهَ عنَى بذلك ما ذُبِح للأصنامِ والآلهةِ، وما مات أو ذبَحَه مَن لا تَحِلُّ ذَبيحتُه.

وأما مَن قال: عُنِي بذلك ما ذبَحَه المسلمُ فنَسِي ذكرَ اسمِ اللهِ. فقولٌ بعيدٌ مِن الصوابِ؛ لشُذوذِه وخُروجِه عما عليه الحجةُ مُجْمِعةٌ مِن تَحليلِه، وكفَى بذلك شاهدًا على فسادِه. وقد بيَّنا فسادَه مِن جهةِ القياسِ في كتابِنا المُسَمَّى "لطيف القولِ في أحكامِ شرائعِ الدينِ"، فأغْنَى ذلك عن إعادتِه في هذا الموضعِ.

وأما قولُه: ﴿لَفِسْقٌ﴾. فإنه يعني: وإِنَّ أَكْلَ ما لم يُذْكَرِ اسمُ اللهِ عليهِ مِن الميتةِ وما أُهِلَّ به لغيرِ اللهِ لَفِسْقٌ.

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في معنى "الفسقِ" في هذا الموضعِ؛ فقال بعضُهم: معناه: المعصيةُ. فتأويلُ الكلامِ على هذا: وإنَّ أكْلَ ما لم يُذْكَرِ اسمُ اللهِ عليه لمعصيةٌ للهِ وإثمٌ.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٤٣ إلى عبد بن حميد.
(٢) المتكلم هنا ابن سيرين.